نهاية الدلع!

نشر في 24-05-2018
آخر تحديث 24-05-2018 | 00:00
No Image Caption
في نفس اليوم الذي تخرج فيه أمين في كلية الزراعة جامعة القاهرة، فوجئ المهندس الزراعي الشاب بوالده شيخ الخفر بقرية سندوب التابعة لمحافظة الدقهلية (125 كيلومتراً شمال القاهرة) يطرق عليه باب الشقة التي استأجرها له بالقاهرة طوال فترة دراسته الجامعية. وبعد أن هنأ الأب ابنه الوحيد بالنجاح قال له بصرامة: «مبروك يا أمين. انت كده مش ناقصك غير العروسة علشان تبدأ حياتك. وأنا قررت إنك تتجوز تهاني بنت عمك الأسبوع اللي جاي!».
لم يكن المهندس الشاب أمين يستطيع أن يردّ كلمة لوالده شيخ الخفر. وافق فوراً على الزواج وحزم حقائبه وعاد مع والده إلى القرية حيث أقام الأهالي والأقارب هناك الأفراح مدة أسبوع كامل ليتم عقد قران أمين على ابنة عمه الفتاة الجميلة تهاني. وبعد انتهاء الأفراح والليالي الملاح، اصطحب الزوج الشاب زوجته الحسناء عائداً إلى العاصمة لينطلقا في مشوار حياتهما.

سعادة

مرت سنوات طويلة بسرعة البرق، عاش خلالها المهندس الزراعي أمين مع زوجته الجميلة تهاني في هناء وسعادة. كان زوجاً مثالياً يحب ويحنو على زوجته التي بادلته بدورها الحب والحنان، وأنجبت له أربع بنات يشبهن القمر. كانت حياة الأسرة الكبيرة تنتقل من سعادة إلى سعادة بمرور الأيام ولم يكن ينقص المهندس الزراعي أمين شيء سوى إنجاب الولد الذي يحمل اسمه ويرث ثروته الكبيرة التي جمع جزءاً منها عن طريق الدروس الخصوصية التي كان يعطيها لتلامذة الدبلومات الزراعية، وأكبر جزء من الثروة التي كان ورثها عن والده شيخ الخفر الذي وافته المنيه بعد زواج أمين بعامين.

الحلم الكبير

ومضت أعوام أخرى، وجاء اليوم الذي تحقق فيه الحلم الكبير. وضعت الزوجة الابن المنتظر للمهندس الزراعي أمين الذي طار يومها من الفرحة لقدوم ولي العهد بعد سنوات طويلة من الصبر. الفرمان الأول الذي أصدره المهندس الزراعي لكل أفراد أسرته كان ضرورة تدليل عضو الأسرة الجديد الابن محيي بشتى الصور وعدم حرمانه من أي شيء يطلبه.

وانصاع الجميع لقرار الأب... ويوماً بعد يوم أصبح أفراد العائلة مسخرين لخدمة هذا الولد الذي شبّ بمرور الأيام على مفاهيم خاطئة لم يستطع أحد تغييرها أو حتى حاول تغييرها، ذلك بناء على رغبة الأب. لا أحد يتذكر أن الابن المدلل محيي ذرف دمعة واحدة في أيام طفولته. كل شيء كان يطلبه الصغير يجده أمامه في الحال حتى ولو كان «لبن العصفور». وبدوره كان المهندس الزراعي أمين يضحك من قلبه حتى لو سبه ابنه الوحيد المدلل أو ارتكب حماقة من حماقات الصغار المعتادة.

المدلل أصبح شاباً

كبر الابن المدلل محيي بمرور الأيام.. واصبح شاباً يافعاً. ولما كان الفتى المدلل يكره التعليم واستذكار دروسه فقد لاحقه الفشل في دراسته ولم يستطع استكمال تعليمه وسط حزن والدته تهاني وترحيب كبير من والده أمين الذي كان لا يجرؤ على إغضاب ابنه مهما حدث.

لم يكن فشل محيي في التعليم هو الفشل الوحيد الذي لحق بالشاب اليافع... وإنما فشل محيي أيضاً بتصرفاته المتهورة في تثبيت حبه في قلوب والدته وشقيقاته الأربع حيث تعالى الشاب المغرور عليهن واعتبرهن مجرد جوارٍ أو خادمات له كل مهمتهن أن تلبين طلباته متى شاء... وكثيراً ما اشتكت الأم والبنات الأربع من تصرفات الابن المدلل للأب، ولكن لم تجد واحدة منهن إنصافاً، بل على العكس كان الاب ينهرهن لمجرد شكواهن من الابن محيي، وكان يردد لهن تلك المقولة التي أصبحت دستور البيت كله: محيي له كل الحق في كل ما يفعله!

كثيراً ما حاولت الزوجة تهاني رغم أنها لم تتلق جانباً كبيراً من التعليم تنبيه زوجها إلى أن أسلوب تربيته ابنهما الوحيد سيفسده، وان تدليل الولد بمثل هذه الطريقة سيؤدي إلى ضياعه في حياته المقبلة، كما أن بناتهما الأربع بدأن يتبرمن من تصرفات شقيقهن الأصغر معهن في ظل صمت الأب. ولكن جاء رد الزوج على نصائح زوجته باهتاً. قال بلامبالاة:

- محيي راجل ولازم يكبر على كده. لازم يحس إن كلمته مسموعة وأوامره بتتنفذ على الكل!

وردت «تهاني» في غضب:

* تربيتك كده للولد هتفسده... وبكرا الأيام هتثبت لك!

نقاش

انتهى النقاش الحاد بين الزوجين بانتصار وجهة نظر الأب «أمين» بضرورة تدليل ابنه الوحيد محيي حتى ولو أغضب ذلك كل أفراد الأسرة.. وفعلاً يوماً بعد الآخر أصبح محيي الحاكم الآمر في شؤون الأسرة كلها رغم أنه لم يكمل السادسة عشرة من عمره... تحكم الصغير في كل شيء كان يرفض العرسان الذين يتقدمون لشقيقاته البنات، ويرفض خروجهن من البيت من دون سبب واضح، ويعاملهن بقسوة مفرطة ويتحدث إلى والدته بجحود غريب. الوحيد الذي كان يعامله محيي بشيء من الود كان والده، وبالطبع كان الأب المهندس الزراعي قانعاً بتصرفات فلذة كبده.

الأب يكتم أحزانه

الأمر الوحيد الذي لم يرض الأب المهندس الزراعي أمين وأغضبه من ابنه المدلل كان اكتشافه ذات يوم أن ابنه محيي أصبح مدمناً... ولكن لم يستطع الأب إظهار عدم رضاه. كتم أحزانه على ابنه الوحيد بداخله ربما لأن المهندس الزراعي كان يعرف جيداً أن الوقت فات لتقويم ابنه بعد سنوات عدة أفرط خلالها في تدليله... ولذلك لم يستطع الأب أمين أن يخبر أي شخص حتى زوجته تهاني بأنه غير راض عن تصرفات ابنه الأخيرة كي لا تشمت فيه وتخبره بأنها سبق وحذرته ولم يستمع إليها.

طريق الشيطان

ومن ناحيته، استمر الشاب محيي في طريق الشيطان غير عابئ بنتائجه الوخيمة المتوقعة. لم يكن الابن المدلل يتصوّر ما حدث ذات ليلة عندما عاد في ساعة متأخرة من الليل إلى البيت منهك القوى من أثر الإدمان ليجد والدته تقف إزاءه وتحاول إبداء النصح له بضرورة العودة إلى طريق الصواب، خصوصاً أنه أهمل الصلاة .

ليلتها، هاج وماج محيي ورفض نصيحة أمه وانهال على كل من بالبيت بالسباب لأن أمه تجرأت عليه ونصحته! ومع صرخات الابن المدلل المدوية في أرجاء البيت توقع الجميع أن يستيقظ الأب من النوم ويدافع عن زوجته ويحميها من ابنه العاق. لم يحدث أي أمر من ذلك. ظلّ الأب صامتاً حتى انتهى ابنه المدلل من الصراخ ثم اقترب منه الأب وراح يحتضنه ويقول له باستعطاف:

- اهدى يا محيي يا حبيبي مش عاوزك تتعصب يا ابني.

ثم نظر الأب إلى زوجته وبناته الأربع وصرخ فيهن قائلاً:

- عاجبكم كده تعكروا دم الولد!

بكاء الزوجة

في غرفة نوم الزوجين، راحت تهاني توبخ زوجها على تصرفه غير المتوقع تجاه المشاجرة التي حدثت بينها وبين ابنهما. بكت الزوجة بعدما خذلها زوجها ووقف في صف ابنهما. ولم يجد الزوج كلمات يبرر بها موقفه ولكنه وعد زوجته أن يصلح الأمر وأن تمنحه فرصة أخيرة.

في صباح اليوم التالي، عرض الأب على ابنه المدلل قضاء إجازة يومين سوياً في قريتهما سندوب للاستجمام ونسيان أمر مشاجرة الأمس تماماً حتى يعود الصفاء إلى قلب الابن المدلل محيي تجاه والدته. ووافق الابن على مضض بعدما منحه الأب مبلغاً كبيراً من المال ليسترضيه.

مشكلة الإدمان

وسافر الأب مع ابنه إلى قريتهما، وبعد ثلاثة أيام عاد الهدوء إلى الابن محيي الذي وافق على عرض والده بأن تلحق الأم والبنات الأربع بهما لتصالح الام ابنها. وفعلاً، وصلت الأم وبناتها إلى القرية وصالحت ابنها الذي أصرّ على ألا ينصحه أحد مهما كان بعد ذلك، فهو رجل ولا يقبل أن يوبخه أحد في صورة نصيحة!

ورغم أن هذا الشرط كان اقتراحاً تقدم به الأب المهندس الزراعي كي لا تستمر حالة الجفاء بين ابنه محيي وبقية أفراد الأسرة، فإن الأب نفسه كان أول من خرق هذا الاتفاق في نفس اليوم بعدما شاهد ابنه المدلل يعود إلى المنزل مترنحاً ومتعباً من أثر الإدمان.

خشي الأب أن يحدث مكروه لفلذة كبده. أسرع إليه ليطمئن على حالته الصحية. احتضنه بقوة خشية أن يضيع منه، وبينما كان الأب يضم ابنه الى صدره خرجت كلمات من فمه لم يطق محيي سماعها...

قال الأب في حنان بالغ:

- ليه يا ابني بتعمل كده في نفسك...

ولم يكمل الأب كلماته، حتى فوجئ بابنه المدلل محيي يسترد عافيته وينهال عليه صفعاً وركلاً حتى اسقطه على الأرض... واستيقظ كل من بالبيت على صرخات الأب التي خرجت منه مع ضربات الابن المتتالية. وحاولت الأم وبناتها إنقاذ الأب من بين يدى الابن الثائر الغاضب، ولكن كل محاولات إبعاد الابن العاق عن مواصلة تأديب والده باءت بالفشل بل وزادت من ثورة محيي، إذ لم يقدر عليه أحد لقوة بنيانه الجسدي. وأثناء ثورة الابن المدلل أسرع بالاستيلاء على العكاز الذي تتوكأ عليه والدته وانهال به على رأس والده ووالدته ولم يتركهما إلا بعد أن سقطا على الأرض وتفجرت الدماء منهما وسط صرخات شقيقاته الأربع المدوية.

صرخات

صرخات شقيقات محيي إزاء المشهد المرعب جمعت أهالي القرية في الحال إلى البيت. الأهالي أسرعوا بنقل الأب والأم إلى أقرب مستشفى كما اقتادوا الابن الثائر إلى قسم الشرطة حيث وقف الشاب الصغير محيي بعدما أفاق من ثورته مذهولاً غير مصدق ما جرى. وكاد يسقط مغشياً عليه عندما تلقى رجال الشرطة بالقسم إشارة من المستشفى تؤكد أن الأطباء فشلوا في علاج المصاب، إذ لفظ الأب أنفاسه الأخيرة متأثراً بجراحه بينما ما زالت الأم المصابة في حالة خطرة داخل غرفة العناية المركزة ولا يمكن استجوابها!

أمجد زايد وكيل نيابة المنصورة استمع إلى اقوال شقيقات الجاني الأربع اللاتي قررن أن شقيقهن المدلل تشاجر مع والدهن وضربه بالعكاز على رأسه كما انهال على والدتهن بالضرب بسبب رفضه نصحهما له بعدم الإدمان. واستمع وكيل النائب العام إلى أقوال الابن المتهم الذي رفض الكلام تماماً فقرر حبس الابن المدلل 15 يوماً على ذمة التحقيقات وإحالته إلى محاكمة عاجلة بتهمة ضرب أفضى إلى الموت.

وقف محيي داخل قفص الاتهام في قاعة محكمة جنايات المنصورة التي عقدت جلساتها برئاسة المستشار خالد الشباسي، حيث اعترف المتهم بجريمته مؤكداً أنه لم يكن يقصد قتل والده أو إصابة والدته. الأم عقب خروجها من المستشفى بعد نجاتها بأعجوبة من الموت حاولت التنازل عن حقها وراحت تدافع عن ابنها الوحيد إزاء رئيس المحكمة الذي رفض توسلاتها وقرر سجن المتهم 3 سنوات مع الشغل، لتخرج الأم بصحبة بناتها باكية على ابنها وزوجها اللذين فقدتهما في لحظة نتيجة الدلع الزائد عن الحد في التربية.

الأب دفع حياته ثمناً لتدليل ابنه الوحيد

استمر الشاب محيي في طريق الشيطان غير عابئ بنتائجه الوخيمة المتوقعة

نجاة الأم من الموت على يدي ابنها

حبس الابن المدلل ثلاث سنوات
back to top