فجوة بين نصين

نشر في 22-05-2018
آخر تحديث 22-05-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري ما أطرحه هنا هو إشكالية النص أولاً، قبل أن نتناول إشكاليات بقية عناصر إنتاج العمل الفني. النص الأدبي، وذلك افتراض قد لا يكون صحيحا دائما كما سنرى، هو العمود الفقري للعمل، وفشله يؤدي بالضرورة لانهيار العمل حتى في حال توافر كفاءات ضخمة في بقية العناصر الأخرى. الأعمال التي تركت أثرا لدي منذ متابعتي للأعمال الفنية الكويتية هي ثلاثة أعمال مهمة في المسيرة الفنية على امتداد نصف قرن، رغم الفجوة الزمنية بين هذه الأعمال: "درب الزلق"، من تأليف عبدالأمير التركي، و"الأقدار" لعبدالحسين عبدالرضا، و"كحل أسود... قلب أبيض" لمنى الشمري.

هذه الأعمال تناولت حقباً زمنية مهمة من تاريخ الكويت، مبتعدة عن الحاضر الذي شهد طفرة تغيرت خلالها العلاقات البشرية، وتداخلت فيها المفاهيم المادية، ابتعد المجتمع عن المكانية التي فرضت عليه سلوكا لم يعد ممكنا، ووسعت الفجوة بين الجيلين.

بالتأكيد هذه الأعمال تناولت تلك الحقبة باختلاف ظروفها وحكاياتها، ولكن ما يهمنا أنها كتبت بحرفة أدبية أولا، وتكاملت عناصرها الفنية لتنتج لنا أعمالا سنبقى نتذكرها أبدا. كان الاعتماد الأول على النص، فالكتّاب الثلاثة لهم باع طويل في العمل الدرامي والمسرحي؛ فيما يخص التركي وعبدالرضا، والعمل الصحافي والأدبي؛ فيما يخص الشمري التي كانت مفاجأة في الكتابة الدرامية، رغم معرفتنا بقدرتها الأدبية في القص. هذه الحرفة الأدبية يبدو أنها اقترنت بالمكان والزمان، اللذين تمت كتابة الأعمال فيهما، بمعنى آخر: ماذا لو أن هؤلاء الكتّاب قدموا لنا أعمالا تناولت الفترة التي يعيشها المجتمع اليوم، وابتعدوا عن ذلك الزمان والمكان وخصوصيتهما.

لا نستطيع أن نجزم بما سيكون عليه العمل في هذه الفترة الزمنية، وما صاحبها من تغير كبير، ولكننا نتوقع أنه سيدخل في مقارنة ليست من صالح ما نراه اليوم من أعمال تتناول الحياة العصرية في الكويت. وهي القضية الأهم في نقاشنا للأعمال الكويتية التي تلت الحقبة المكانية والزمانية. المشكلة لم تكن في أي عنصر من عناصر العمل الفني، لم تكن في الكوادر الفنية أو التنفيذية والتمثيلية، ولكن في النص تحديدا. لم يعد النص قادرا على حمل أفكار حديثة، ولا حوارات مناسبة تليق بهذه الطفرة المعيشية الحالية. وربما المثال الأكثر قربا منا هو تحويل رواية الكاتب سعود السنعوسي "ساق البامبو" إلى عمل درامي، فبالرغم من إشراف الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، والاعتماد على نص روائي جيد، جاء النص الدرامي مخيبا للآمال ومشوها الرواية الجميلة. اعتمد العمل حوارات ساذجة تخضع للدارج من أعمال حديثة، وكأن الخروج عن سياقها مغامرة لا تستحق المجازفة. وخلال العقدين الأخيرين لم يجرؤ عمل حديث أن يشكل مفارقة مغايرة لهذه السطحية والفجاجة، ولم يبرز كاتب نص يستحق الإشادة.

لا أجد سببا حقيقيا لرداءة النصوص التي تناولت الحقبة الحالية، مقارنة بالحقب السابقة، هناك حوارات تافهة ولغة أدبية مفقودة تتشارك فيها هذه الأعمال بشكل يدعو إلى الدهشة. ليس بالإمكان أن تشير إلى كاتب نص مميز، وكأنهم ينسخون حواراتهم من مصدر واحد، مصدر للأسف بعيد تماما عن أدبيات النص الأدبي. بالطبع ليست المشكلة في الفترات الزمنية ولا المكانية، ولكنها القدرات الأدبية الضعيفة التي جعلت مفهوم الكتابة الروائية الآن تحت رحمة كتاب لا تاريخ أدبياً أو مسرحياً لهم، ولا موهبة تفهم تطورات المكان والزمان.

back to top