العراق: الفائز من قائد ميليشيا إلى محور التوافق

نتائج الانتخابات توقع الصدر والعبادي في ورطة «حميدة»

نشر في 21-05-2018
آخر تحديث 21-05-2018 | 00:14
الصدر والعبادي خلال لقائهما أمس الأول في مكتب الصدر ببغداد
الصدر والعبادي خلال لقائهما أمس الأول في مكتب الصدر ببغداد
يقول باحث عربي مقيم في واشنطن إن المكتبات بالعاصمة الأميركية بدأت تستعيد كتباً ومطبوعات قديمة حول مقتدى الصدر، أكبر فائز في انتخابات العراق، وتضعها في واجهة المتاجر مع خصم واضح، لأن كل المعنيين بشأن بغداد هناك بدأوا ينبشون دفاترهم القديمة، محاولين فهم واحدة من أبرز مفاجآت الاقتراع النيابي الذي جرى قبل نحو أسبوع، ومنح تحالف اليسار والعلمانيين مع الصدر فوزاً لم يكن في الحسبان بفارق 12 مقعداً عن رئيس الحكومة حيدر العبادي.

ولم يكن فوز الصدر وحده اللافت، بل قدرته على كسب تأييد شريحة واسعة من العلمانيين الذين ظلوا يحلمون بكتلة عابرة للطوائف تخرج ائتلاف السلطة من قيود إيران، وهو ما تعزز بكتلة العبادي أيضاً، التي ضمت تكنوقراطاً وعلمانيين وقادة بارزين من البصرة والموصل بنفس الحجم والأهمية، مثل وزير النفط البصراوي جبار لعيبي، ووزير الدفاع السابق المصلاوي خالد العبيدي، اللذين حلا في المرتبة الأولى باثنين من أكبر وأكثر مدن العراق تأثيراً وعراقة.

وبات بيد الصدر والعبادي اليوم مع فائزين فرديين ليبراليين نحو 110 مقاعد متنوعة مذهبياً وفكرياً، ويقول هؤلاء بصراحة إنهم لا يمكن أن يدخلوا في تكتل شيعي كبير كما جرت العادة في كل البرلمانات السابقة برعاية جزئية فاعلة من إيران، التي هي اليوم محبطة ومتفاجئة إلى حد ملحوظ، رغم أنها لن تستسلم أبداً، لأنها تتقن التكيف مع المتغيرات العراقية مهما كانت حادة، حسب الخبراء المحليين.

ويدرك المجتمع الدولي أهمية التغيير النوعي في نتائج انتخابات العراق، وفي خطوة لافتة بادر سفراء الدول المجاورة «عدا إيران» لتناول الإفطار في بيت الصدر بالنجف، إذ حضر السفراء الكويتي والأردني والتركي والسعودي، والسوري معهم جنباً إلى جنب، وقيل إن الصدر طلب منهم قبول وجود سفير سورية في إشارة محتملة إلى رغبة نجفية بمبادرة تخفف نفوذ إيران في دمشق تماشياً مع تصاعد التنسيق بين العراق والمحيط العربي والنتائج الجديدة لانتخابات البرلمان!

ولم يكن كثيرون يصدقون أن في وسع الصدر أن يبني تحالفات عميقة وغريبة كالتي نسجها منذ عام 2012 حين حاول الإطاحة برئيس الحكومة السابق نوري المالكي رافضاً القيود الإيرانية، ومنسقاً مع الأكراد والسنة يومذاك، فقد بدأ الصدر حياته السياسية عام 2003 وهو مقاتل بميليشيات تورطت بمذابح ذات طابع طائفي أثناء مواجهته للقوات الأميركية، ثم راح رجاله يفرضون الشريعة الإسلامية بالقوة، وشكلوا تهديداً للحياة العامة في البصرة وبغداد خصوصاً، وصار ينظر إليه كرجل دين ميؤوس منه في السياسة العراقية.

إلا أن مقتدى المولود عام 1974 في النجف، سرعان ما بدأ يثبت أن رؤيته السياسية تتطور، وأخذ يتحدث عن ضرورة عدم فرض رأي محدد على العراقيين، ومحاولة بناء توافق وطني، معارضاً محاولات المالكي في التفرد بالسلطة. وخلال تلك المواجهات تعززت علاقته بالكثير من القوى العلمانية، وخصوصاً رئيس الحكومة السابق إياد علاوي، ورئيس كردستان مسعود بارزاني، وقوى اليسار، وبات إقبال الآخرين عليه مشجعاً لدفعه نحو انتقاد علني ونادر ومكرر للسياسات الإيرانية في العراق وسورية.

أما البروز الأكبر للصدر المتحدر من واحدة من أقدم العوائل الدينية العراقية البغدادية المنتشرة أيضاً في لبنان وإيران منذ العهد الصفوي، فهو دعمه المتسارع للعبادي الذي واجه عام 2016 تظاهرات عارمة تطالب بالإصلاح، وحاولت الفصائل المقربة إلى إيران اختراقها للضغط على العبادي، الذي بدا يومذاك يقترب من أميركا والعرب أكثر مما تسمح إيران!

ووصف الخبراء دور الصدر يومها بأنه منح العبادي فرصة كبيرة، إذ تدخل وقام بحماية التظاهرات العلمانية من أي اختراق إيراني، مما ولّد لأول مرة شراكة تحت نصب الحرية الشهير في بغداد، بين قوى اليسار والعلمانيين المتنوعة مذهبياً، وجموع الفقراء المؤيدين للصدر، ومنح الحكومة فرصة تعديل وزاري كبير أطاح أسماء حزبية واستبدلهم بتكنوقراط بارزين قدموا أداء جيداً في أصعب السنوات، وساعدوا في تخفيف أزمة الاقتصاد وإعادة بناء المؤسسة العسكرية وسط الحرب على «داعش».

وعند هذه النقطة، يقول الخبراء إن العمل المشترك بين العبادي والصدر، أكثر من شراكة عابرة، بل هو ورطة واحدة دخلاها معاً، وسيضطران إلى استكمالها، أو إحباط ملايين العراقيين الذين يراقبون بحماس.

back to top