هل اقتربت إيران من الحرب الكبرى في سورية؟

نشر في 19-05-2018
آخر تحديث 19-05-2018 | 00:00
الضربات الصاروخية الأخيرة بين إيران وإسرائيل داخل سورية
الضربات الصاروخية الأخيرة بين إيران وإسرائيل داخل سورية
على الصعيد الداخلي الإيراني بات الصراع السياسي على أشده بين مختلف التيارات، فالحرس الثوري من جهة غير مقتنع بسلوك حكومة الرئيس روحاني، وفي السياق نفسه ثمة حاجة ملحة اليوم إلى إعادة النظر في موضوع قداسة سلطة "ولاية الفقيه" وشرعية مرشدها الأعلى علي خامنئي.
يشكل تبادل الضربات الصاروخية الأخيرة بين إيران وإسرائيل داخل سورية؛ مؤشراً مهماً جداً على شبح الصراع المسلح المهيمن على المنطقة، وبصرف النظر عن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، فإن التطورات الإقليمية والدولية الأخرى تشير إلى أن الظروف باتت مهيأة لشنّ الحرب ضد إيران. ولا بد من أن نؤكد هنا، على أن مفهوم الحرب في هذه الحالة لا يقتضي بالضرورة ضرب طهران بالقنابل والصواريخ، بل أن مجرد شعور صانع القرار السياسي الإيراني بدنوّ الحرب منه، أو من مناطق نفوذه، هو بحدّ ذاته إشعالٌ لفتيلها، علما أن التطورات الخارجية والداخلية المتعلقة بإيران، توحي بأن شيئاً ما سيحدث.

فعلى الصعيد الداخلي الإيراني بات الصراع السياسي على أشده بين مختلف التيارات، فالحرس الثوري من جهة غير مقتنع بسلوك حكومة الرئيس روحاني، خصوصا اقتصادياً وأمنياً، وفي السياق نفسه ثمة حاجة ملحة اليوم لإعادة النظر في موضوع قداسة سلطة «ولاية الفقيه» وشرعية مرشدها الأعلى علي خامنئي المتربّع على قمة هرم الدولة، علماً أنه أصبح المحور الرئيس لكل الانتقادات الموجهة للنظام السياسي الإيراني، فمنذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية بإيران في ديسمبر من العام الماضي، لم يسلم الأخير من سهام الانتقادات، سواء من أحمدي نجاد أو من القيادات الإصلاحية، أو التيار الشيرازي، أو حزب نهضة آزادي، أو حركة التحرير وغيرها، والتي تشي جميعها، بأن التصدع العظيم بدأ ينخر جسد النظام هذا.

ومن جهة أخرى، ما زال الشعب الإيراني في انتظار الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي تعهّدت بها الحكومة الإيرانية، ولم ينفّذ منها أي شيء حتى الآن، إلا إعطاء المزيد من جرعات التخدير لامتصاص الغضب الشعبي المتنامي في الشارع الإيراني الذي يتحيّن الفرصة المناسبة، للتفاعل مع أي جهدٍ دولي يستهدف إسقاط النظام السياسي، فالأزمة الاقتصادية مستفحلة خصوصاً بعد الهبوط الحاد في قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار الأميركي.

وأما الواقع الاجتماعي فليس أفضل بكثير، فبعد أزمة الحجاب والتضييق على الحريات، ما زالت المظاهرات الاحتجاجية مشتعلة في الأحواز العربية وغيرها من المحافظات النائية.

وذكرت صحيفة «شرق رزنامة» المقربة من التيار الإصلاحي في إيران، أن ثمة ترتيبات سياسية خلف الكواليس، لإعداد مبكر لمرحلة ما بعد خامنئي، ينقضّ فيها الحرس الثوري الإيراني على السلطة، للحفاظ عليها، مع اختيار مرشدٍ جديد يأتمر بأوامر قيادة هذا الحرس، علما أنه لا يمكن لأيّ شخصية دينية أن تصبح مرشداً أعلى في إيران، من دون المرور عبر قناة الحرس الثوري.

وأشارت الصحيفة نفسها إلى أن التيار المحافظ ومعه أركان الدولة العميقة، قد اقتنع بأنّه إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه داخلياً وخارجياً، فإنّ شخصية رئيس الجمهورية القادمة ستكون عسكرية، وهو رأي عبّر عنه «حسين الله كرم» أستاذ في الجامعة الحرة الإسلامية، واعتبر أنه ينبغي أن تكون الشخصية عسكرية استراتيجية، وذكر كثيراً من الخيارات ضمن إطار الشخصية هذه، كـ»قاسم سليماني (قائد قوة القدس)، ومحسن رضائي (القائد السابق للحرس الثوري الإيراني ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام)، إلى جانب محمد باقر قاليباف (قائد سابق لسلاح الجو في الحرس الثوري ولمقر خاتم الأنبياء وعمدة طهران حالياً)، فضلاً عن شخصيات أخرى قد تكون قريبة من تفكير التيار المحافظ، كحسين دهقاني أو مسعود جزائري وغيرهما، ويبقى قاسم سليماني هو الأقرب والأكثر حظاً بين هذه الشخصيات، وذلك بحكم علاقاته داخلياً، مع أركان الدولة العميقة، وحتى خارجياً، مع مختلف التيارات السياسية والحركات المسلحة التي تدور في الفلك الإيراني.

أما على المستوى الدولي، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنّها ستنسحب من سورية في نهاية المطاف، إلا أن هذا الإعلان لا يمثل إشارة إلى التراجع الاستراتيجي، بقدر ما هو أسلوب تكتيكي، يهدف إلى النأي بالجنود الأميركيين عن أي رد محتمل قد تقوم به إيران في حال واجهت حرباً شاملة، بالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق مقاتلي «داعش» على منطقة البادية السورية، يمثل تهديدا كبيراً لخطوط الإمدادات اللوجستيّة لإيران وميلشياتها في سورية.

ولا يمكن فصل هذه التطوّرات عن الجولة السابقة من الهجمات الكيميائية التي قام بها نظام الأسد ضدّ المتمرّدين بالقرب من العاصمة دمشق، إذ ليست الهجمات نفسها أهم ما في الأمر، بل من أصدر الأوامر بتنفيذها. وكما يعرف الجميع، فإنّ روسيا وإيران هما اللتان تتخذان القرارات الأمنية في سورية، ولطالما نظرت روسيا إلى إيران كحليف مُرهق في سورية لعدة أسباب، منها أن روسيا تنظر إلى الأزمة في سورية بشكل مختلف. ورغم ذلك، فإن إيران تدرك جيداً أن روسيا لا تستطيع فعل أي أمر من دون مساندتها، فالقوة الإيرانية هي المسيطرة على الأرض، في حين يقتصر نشاط القوة الروسية على العمليات الجوية. إيران إذن هي المسيطرة في الميدان وقد انتابها الغرور لذلك ما جعلها تتصرّف بلامبالاة أحياناً مستقدمةً مقاتلين غير إيرانيين، من ميليشيات مختلفة:عراقية وأفغانية وباكستانية.

وثمة فرضية قوية بأنّ إيران كانت الآمرة بتنفيذ الهجوم الكيماوي على مدينة «دوما» ذلك أن دوافعها هنا أكبر مما قد يحث روسيا على القيام بأمرٍ مماثل. فإيران غير راضية عن وجود متمردي جيش الإسلام في تلك المنطقة، ومتوجّسة من علاقاتهم الجيدة نوعاً ما، مع الولايات المتحدة، وتتخوّف من أن يؤدي ذلك إلى تفكير الولايات المتحدة بإنشاء جبهةٍ جديدة بدمشق. كما أن مقاتلي جيش الإسلام سيشكلون عقبة رئيسة أمام استكمال المشروع الإيراني الذي يسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة. فطهران لا تقبل وجود أي من المتمردين المسلحين السُّنَّة قرب دمشق لأسباب كثيرة، منها تخوفها من أدائهم دوراً مهماً في أي حرب محتملة من إسرائيل ضد إيران وميليشياتها في سورية، لاسيما بعد الأضرار الجمّة التي تلقوها من طرف المعسكر الإيراني.

بات لزاماً على الولايات المتحدة وحلفائها العرب التفكير في توجيه ضربة عقابية ضد إيران رداً على تداعيات وجودها في سورية، وإن كانت ضربة محدودة، على أن تتلوها في وقت لاحق، ضربات أكثر قوة وفق الحاجة، وثمة حاجة كذلك لقطع طرق الدعم اللوجستي الإيراني في مناطق جنوب سورية حتى مدينة القلمون التي تستخدمها إيران كمنفذ لتقديم مساعدات عسكرية لحزب الله. وثمة دور حيوي بوسع الأكراد القيام به، وينبغي منحهم مساحة للمناورة في المناطق القريبة من مدينتي دير الزور والرقة، خصوصاً بعد انسحاب قوات الحرس الثوري الإيراني من تلك المناطق في ابريل 2018 عقب مفاوضات سرية مع الروس. وعلى الولايات المتحدة ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة العراقية لإقناعها بقبول تلك العمليات العسكرية، أو على الأقل العمل على منع الميليشيات الإيرانية من العبور إلى سورية.

وفي الخلاصة يمكن القول إنّ الظروف كلها مهيّأة اليوم للإجهاز على المشروع الإيراني في سورية، خصوصاً بعد التوافق الأميركي الفرنسي البريطاني في مختلف القضايا الدولية ورغبة إسرائيل المتزايدة بحربِ ضدّ إيران.

• خبير الشؤون الشرق أوسطية بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات.

=====================

• باتت الظروف كلها مهيّأة اليوم للإجهاز على المشروع الإيراني في سورية خصوصاً بعد التوافق الأميركي- الفرنسي- البريطاني في مختلف القضايا الدولية إلى جانب رغبة إسرائيل المتزايدة في حربِ ضدّ إيران

• التطورات الخارجية والداخلية المتعلقة بإيران توحي بأن شيئاً ما سيحدث

• لا يمكن لأيّ شخصية دينية أن تصبح مرشداً أعلى في إيران من دون المرور عبر قناة الحرس الثوري

* فراس إلياس - واشنطن إنستيتوت

back to top