انهيار الاتفاق النووي يوجه إيران نحو «رئيس عسكري»

نشر في 19-05-2018
آخر تحديث 19-05-2018 | 00:00
إيرانيون يتظاهرون ضد أميركا بعد انسحابها من الاتفاق النووي
إيرانيون يتظاهرون ضد أميركا بعد انسحابها من الاتفاق النووي
في ظل الظروف المحيطة بإيران يوجد احتمال لتحقيق الحلم القديم للمتشددين هناك، بوصول رجل عسكري الى سدة الرئاسة، ومع تهديدات ترامب المتكررة بدأ المتشددون الإيرانيون بإثارة هذه الفكرة من أجل اختبار ردة فعل المجتمع.
منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016 شعر المتشددون في إيران بالسرور لوعده بالقضاء على الاتفاق النووي الذي حققه الرئيس المعتدل حسن روحاني، وقد قدم ترامب الآن هدية ثمينة الى أعدائه في طهران، وبعد شهور من التهديدات أعلن ترامب أخيراً انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المعروف باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة»، كما حذر الحلفاء الأوروبيين من أنهم إذا لم يعملوا على إصلاح الاتفاق فإنه سيقضي عليه.

وفي سنة 2013 سئم الإيرانيون من رئاسة المتشدد محمود أحمدي نجاد لفترتين متتاليتين، والذي تحول الملف النووي في عهده الى أزمة، وفي خضم هذه الظروف كان ترشيح الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني لخوض معركة الانتخابات الرئاسية في العام الماضي موضع ترحيب من قبل الكثيرين؛ لأنه كان يعرف لدى الأصدقاء والأعداء معاً بأنه الشخص الذي يستطيع تحسين العلاقات المريرة بين إيران والغرب.

ونظراً لأن رفسنجاني منع من خوض معركة الانتخابات من قبل المجلس الثوري فقد ألقى بثقله وراء حسن روحاني الذي وعد الناخبين الإيرانيين بالتوصل الى حل للأزمة النووية في بلاده، وطوال المفاوضات التي جرت بين طهران ومجموعة 5+1 ( الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) سعى الجمهوريون في الكونغرس الأميركي والمتشددون في البرلمان الإيراني بشكل مستمر تقريباً الى نسف وتعطيل تلك المفاوضات.

بعد توقيع الاتفاق

وبعد توقيع الاتفاق النووي كان المواطن الإيراني العادي في انتظار رؤية العوائد الاقتصادية التي قال المسؤولون الإيرانيون إنها ستسهم في تحسين مستويات معيشة المواطنين، وقد بدأت الأوضاع بالتحسن بشكل تدريجي خلال الأشهر التي أعقبت تنفيذ الاتفاق النووي في شهر يناير من عام 2016، ولكن تلك الفترة شهدت دخول دونالد ترامب معترك السياسة، وحتى مع تعهده بقتل الاتفاق النووي كان معظم الإيرانيين يشعرون بأمل عبر إعادة انتخاب روحاني في شهر مايو سنة 2017 والتوجه نحو مشاركة بناءة مع العالم من أجل إضعاف الضغوط الأميركية.

وفي أعقاب انسحاب الولايات المتحدة وفي خضم حالة من عدم اليقين إزاء مستقبل الاتفاق النووي أحدثت تجربة ذلك الاتفاق عواقب عميقة ومؤثرة في السياسة الإيرانية.

وفي المقام الأول والأكثر أهمية عادت الحياة الى الأفكار والدوائر المتشددة تحت قيادة آية الله محمد تقي مصباح يزدي– أحد موجهي محمود نجاد السابقين– مع تفكير الكثيرين في إيران في أن الانفتاح والتفاعل مع الغرب قد أخفق في تحقيق الازدهار لبلادهم، وكانت هذه القوى قد تعرضت لنكسات شديدة متتالية في الانتخابات منذ سنة 2013.

ونتيجة لعودة مقاربات وأساليب المتشددين ستصبح ظروف تلك المشاركة الملائمة مع الغرب أكثر صعوبة بصورة متزايدة. وفي حقيقة الأمر، فإن ذلك قد يفضي الى تبني حتى الادارة المعتدلة للرئيس حسن روحاني لموقف أكثر تشدداً من أجل تخفيف ضغوط الجناح المتشدد في طهران. وقد يتمثل الجانب الأكثر أهمية في أن الرئيس روحاني وفريقه ليس لديهم الباعث ولا السلطة من أجل إظهار «مرونة بطولية»– وهو التعبير المستخدم لتسويق التعامل مع الولايات المتحدة خلال المحادثات النووية– فيما تتركز تلك المشاركة في فترة الأسابيع المقبلة على اجراء محادثات مع الدول الأوروبية من أجل تقييم إمكانية البقاء في الاتفاق النووي.

وفي هذا السياق يتعين أن نلاحظ أيضاً أن الانهيار الكامل لذلك الاتفاق قد يدفع الإيرانيين الى فقدان الأمل في سياسة روحاني وخط الاعتدال، وفيما قد يقابل ذلك بقدر من الترحيب في الولايات المتحدة فإن الجناح المتشدد في إيران يشعر بارتياح لتحول الوضع الى مصلحة خصومهم.

وفي ظل هذه الظروف يوجد احتمال لتحقيق الحلم القديم للمتشددين الإيرانيين في وصول رجل عسكري الى سدة الرئاسة، ومع تهديدات ترامب المتكررة بدأ المتشددون الإيرانيون بإثارة هذه الفكرة من أجل اختبار ردة فعل المجتمع الإيراني، وقال عضو البرلمان المتشدد محمد علي بور مختار في الثامن عشر من شهر مارس الماضي إن «عدداً من وسائل الإعلام يقول إن العسكريين يجب ألا يصبحوا رؤساء للجمهورية، وأنا أعتقد أن انتخاب عسكري للرئاسة يمكن أن يحل بشكل مؤكد مشاكل الشعب».

فرصة قاسم سليماني

ومع ظهور قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في غير مكان في منطقة الشرق الأوسط قد يقنع ذلك الناس بفكرة أن هذا العسكري سيكون مناسباً بقدر أكبر لمنصب الرئاسة في البلاد، وبحسب استبيان أجرته جامعة ماريلاند في الصيف الماضي يؤيد 61 في المئة من الإيرانيين اختيار سليماني، وقد حل في المركز الثاني وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي ترأس مفاوضات الاتفاق النووي وحصل على تأييد 43 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع.

وفيما يبدو أن من غير المحتمل دخول سليماني سباق الرئاسة الإيرانية المقبل فإن انتصاراته الحربية التي حظيت بتغطية واسعة قد هيأت الرأي العام لانتخاب رئيس عسكري لإيران، ويتعين أن ينظر الى ذلك في سياق مناخ شهد خلال العقود الماضية بصورة عامة ردة فعل سلبية من جانب الناخبين لانتخاب عسكري لمنصب الرئيس. وتجدر الاشارة الى أن السكرتير الحالي لمجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني الأدميرال علي شمخاني وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ورئيس الشرطة السابق محمد باقر غاليباف كانوا بين قادة أجهزة الأمن السابقين الذين فشلوا في الفوز في أي من الانتخابات الرئاسية الخمسة السابقة في إيران.

وفي خضم هذا كله، قد تكون السياسة الإيرانية أمام تحول وشيك، وقال استطلاع حديث للرأي إن أكثر من 74 في المئة من الإيرانيين لا يعتبرون أنفسهم من الاصلاحيين أو المحافظين، وهذا قد يعني أن الشعب يريد ببساطة وجود قائد فعال يستطيع التغلب على مشاكل البلاد.

وفي هذا السياق يتمثل الخطر في أن يتوصل الناخبون الى استنتاج مفاده أن المشاركة البناءة التي يفضلها رئيس دبلوماسي مثل حسن روحاني قد وصلت الى طريق مسدود. وبدافع من انتصارات قاسم سليماني العسكرية ربما يرغبون في وجود قائد قوي وحاسم في مواجهة تفاقم الأخطار والعداوات الخارجية.

وفيما يعلم الإيرانيون تماماً أن الرئيس روحاني ليس مسؤولاً عن انهيار الاتفاق النووي توجد مجادلة قوية في أن أسلوبه قد أخفق وأن هذا هو الوقت لاتباع استراتيجية أشد قسوة وصرامة على أي حال، وفي مثل هذا السيناريو لا توجد فرصة للفوز أمام المحافظين البراغماتيين من أمثال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، ناهيك عن رجل اصلاحي مثل النائب الأول للرئيس اسحق جهانغيري.

وفي ضوء هذه العواقب الخطيرة المحتملة لانهيار الاتفاق النووي فقد أصبح واضحاً أن الجانب الوحيد القادر على إبقاء ذلك الاتفاق– أي أوروبا– من خلال القيام بدور فريد في المساعدة على رسم آفاق الملامح السياسية في إيران. وإذا وقفت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بثبات وراء ذلك الاتفاق وتقيدت بالتزاماتها بدلاً من الاستمرار في إرضاء ترامب من خلال طرح قضايا عرضية فإن حكومة إيرانية في أيدي المعسكر المؤيد للإصلاح قد تدخل ساحة المزيد من المشاركة في نهاية المطاف.

* روح الله فقيهي – المونيتور

الطرف الوحيد القادر على إبقاء الاتفاق هو أوروبا من خلال مساعدتها في رسم آفاق الملامح السياسية في إيران
back to top