أسدٌ... بعقلية فأر!

نشر في 15-05-2018
آخر تحديث 15-05-2018 | 00:14
 د.نجم عبدالكريم سأنتقل بكم في هذا المقال إلى عالم آخر... عالم كليلة ودمنة وبيدبا ودبشليم، لأن عبدالله بن المقفع حين ترجم "كليلة ودمنة"، من الفارسية إلى العربية، كان يريد أن يرسل من خلال كلام وسلوك وتصرفات الحيوانات رسائل للبشر، وخصوصاً الذين يتحكمون في مصائر الناس، بحكم مناصبهم الكبيرة.

***

يُروى أن فأراً كان مرعوباً وتكتنفه المخاوف من القطط التي تترصده، رغم أن لديه طموحات يرغب في تحقيقها، ولكن لأنه من فصيلة الفئران المحدودة الذكاء والقدرات كانت هناك صعوبات في أن يتمكن من تحقيق طموحاته... فلجأ لساحر، وبكى بين يديه، وهو يشرح له كيف أنه يشعر بالرعب طول حياته من سطوة القطط، وتوسل إليه أن يجعله قطاً، فأشفق عليه الساحر وحوّله من فأر إلى قط!

وما هي إلا فترة وجيزة مرت على الفأر السابق والقط الحالي، حتى جاء إلى الساحر شاكياً له كيف أنه قد غدا فريسة سهلة للكلاب، التي أخذت تطارده كلما حاول أن يعيش حياته كقط آمنٍ ووديع. ثم توسل للساحر، وهو يبكي، أن يجعله كلباً، فاستجاب الساحر للفأر السابق والقط الحالي في أن يكون كلباً.

وتمكن الكلب الجديد من التعايش مع الكلاب، ولكنه لم ينس طموحاته الداعية إلى تفوقه على الجميع، فهو ليس أقل من النملة التي غيرت مسار جيش، ولا الهدهد الذي تسبب في هداية أمة كاملة إلى عبادة الله، بل إنه ليس أقل ذكاءً من ذلك الغراب الذي علّم الإنسان كيف يدفن موتاه، كما أن مخه أكبر من مخ الفيل الذي رفض هدم الكعبة، وهو كائن بري أفضل من الحوت المائي الذي أنقذ نبياً، فهذه الحيوانات لعبت أدواراً كبيرة، فلماذا كان ينتابه الرعب من القطط يوم كان فأراً؟! ثم لمّا أصبح قطاً لماذا كانت تخيفه الكلاب؟! وهل سيكتفي بحياته الراهنة ككلب؟!

عاد أدراجه إلى الساحر، شارحاً له طموحاته، وتمنى عليه أن يساعده على تحقيقها، فسأله الساحر:

- وماذا تريد أن تصبح هذه المرة؟!

- سأكون ممتناً لك ما حييت لو جعلتني أسداً.

- أسد؟!

- نعم..

- يعني تريد أن تكون ملك الغابة؟

- بفضلك، أيها الساحر العظيم.

- وهل ذلك سيشعرك بالأمان والاطمئنان؟

- كيف لا، وأنا سأكون ملك الغابة؟

فقام الساحر بتحويل الفأر، القط، الكلب إلى أسد...

ولم تكن لدى الأسد الجديد خبرة الأسود القدامى في كيفية الدفاع عن نفسه لمواجهة المخاطر، التي تتعرض لها الغابة من قوة وجبروت الإنسان في اصطياد الحيوانات، حينما يمارس رياضة الصيد! فوجد نفسه عرضة للمهالك، فجاء مرتعد الفرائص إلى الساحر، الذي بادره بالسؤال:

- ماذا تريد أن أجعلك هذه المرة؟

- إنسان!

- اسمع أيها الحيوان المسكين، لقد كنت فأراً فغدوت قطاً، ثم أصبحت كلباً، فأسداً، لكنك لم تخرج عن كونك فأراً، فأنت خُلقت فأراً وستبقى فأراً، حتى لو حولتك إلى إنسان.

قد يأتي سؤال: ما الذي تقصده من هذه القصة؟!

وأجيب: إن عالمنا العربي متخلف ومتراجع ومنهزم، أن كثيراً من الذين يخططون له يتظاهرون بأنهم أسود، بينما النتائج الملموسة تؤكد أنهم لا يتجاوزون حدود تفكير الفئران!

back to top