سلطة المحكمة بين التصدي والتعديل!

نشر في 15-05-2018
آخر تحديث 15-05-2018 | 00:19
 محمود العروسي من القواعد العامة في قانون الإجراءات الجزائية في أغلب التشريعات العربية (أو المقارنة) قاعدة الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم، فمن يباشر سلطة الاتهام في الدعوى الجزائية يجب ألا يباشر سلطة الحكم في الدعوى ذاتها، وكذلك من يباشر سلطة الحكم يجب ألا يعطى حق التدخل في سلطة الاتهام. وبالتالي فإن المحكمة ممنوعة من إدخال أي شخص لم يرد اسمه في قائمة الاتهام، فهذا الإجراء الأخير يكون في مرحلة التحقيق الابتدائي لا مرحلة التحقيق النهائي والمحاكمة؛ لأن المحقق يضع يده على الفعل، وله أن يستدعي كل شخص يظهر له من التحقيق أن له علاقة بالجريمة موضوع الدعوى الجزائية، ولم يرد اسمه في شكوى أو بلاغ المجني عليه، وتلك القاعدة مجسدة لمبدأ الفصل بين سلطة الادعاء وسلطة الحكم، وهو مبدأ تقرره جميع التشريعات العربية كما ذكرنا سلفا.

ولكن في التشريع الكويتي للمحكمة الجزائية، ووفقا لنص المادة (134) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، أجيز لها إدخال متهم أو متهمين آخرين في الدعوى وأعطي لها الحق في أن تأمر المدعي بالقيام بما يستدعيه التعديل الذي اتخذته، وإعلان المتهمين الجدد بالتهم الموجهة إليهم.

والواقع أن حق التصدي يعتبر خروجاً على قاعدة الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم، ويعد اتهام شخص لم يرد اسمه بين المتهمين في قائمة الاتهام خروجاً على الأصل العام في المحاكمات الجزائية، وهو الفصل بين سلطة النيابة العامة وسلطة القاضي، والذي هو مبدأ أساسي يأتي على رأس النصوص المنظمة للقضاء الكويتي وفقا للمرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 في شأن تنظيم القضاء.

وإضافة إلى ذلك، نجد أنه في حال حق التصدي، وقد أجاز المشرع للمحكمة التصدي لبعض الجرائم والمتهمين أن تقوم المحكمة في هذه الحالة بدور سلطة الاتهام شريطة عدم الحكم في الدعوى التي مارست فيها هذا الاستثناء، كما هو مطبق في التشريع المصري.

وهذا الاستثناء جعل أغلب فقهاء قانون الإجراءات الجزائية على أرض دولة الكويت من أبنائها، وممن جاءها من فقهاء بلدان عربية أخرى، يأتي في مقدمتهم أستاذنا الدكتور العلامة عبدالوهاب حومد، ينتقده على أساس أنه يعطي للمحكمة حق التدخل في سلطة الادعاء، ثم إن قضاء التحقيق كقضاء مستقل غير موجود في الكويت، لأن سلطة الاتهام هي التي تتهم وهي التي تحقق، ومن المحتمل لو كانت هناك سلطتان مستقلتان أن تظهر لإحداهما براءة الفاعل، لا يحال إلى القضاء ومتاعبه، وكذلك فإن قضاء الإحالة غير موجود أيضا في الكويت، وربما كان من شأنه أن يساعد على استبعاد التهم الطائشة.

ويضيف أستاذنا الدكتور عبدالوهاب حومد في باكورة العمل لقانون الإجراءات الجنائية في الستينيات انتقاده لهذا الاستثناء بأن حرمان المتهم من دراسة تهمته أمام مرجع آخر قبل وصولها إلى المحكمة يعد طعنة لضمانات حق الدفاع، وقد أثبتت الوقائع أن كثيرا من الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى تلغى بدليل ارتفاع نسبة ما تبطله محكمة الاستئناف منها.

ويرى أغلب الفقهاء (وأميل إلى آرائهم جميعا) أنه اذا كان المشرع الكويتي أعطى حق التصدي بتحريك الدعوى الجزائية ضد متهم أو متهمين لم يرد اسمهم في قرار الاتهام فينبغي تعديل نص المادة (134) بشأن فقرة (إدخال أشخاص في الدعوى لم يرد لهم ذكر بقائمة الاتهام)، ويكون على النحو التالي: إذا تبين للمحكمة من التحقيق ما يستدعي تعديل وصف التهمة أو ... أو إدخال متهم أو متهمين آخرين أن تقوم بإحالة أوراق الدعوى المعروضة عليها إلى دائرة أخرى جديدة لم يشترك ضمن هيئتها القاضي الذي أصدر قرار إدخال المتهم، ولا أحد من قضاة الدائرة التي أيدت الرأي في إدخال هذا المتهم، إعمالاً لقاعدة (لا يكون القاضي خصماً وحكما في وقت واحد، إذ لا يجوز أن يكون لقاضٍ قرر توجيه التهمة إلى شخص أن يشارك بعد ذلك في محاكمة الشخص ذاته).

back to top