رمضان جانا وفرحنا به

نشر في 14-05-2018
آخر تحديث 14-05-2018 | 00:00
 فوزية شويش السالم كل عام وأنتم بخير... مبارك عليكم الشهر، ورمضان كريم علينا وعلى الأمة الإسلامية جمعاء.

رمضان بجدارة شهر للتسامح والمحبة والعطاء، ولعلها من أبرز صفاته، لأنه وحده يحمل طابعا متميزا ومختلفا وفريدا عن كل شهور السنة، والطاعة الدينية هي من جوهر أساسيات طبيعته، لكن المحبة والتسامح والعطاء هي المتولدة والمضافة له والطاغية بصفتها عليه، مما يجعله شهرا متفردا بمعطياته التي ليس لها مقارنة أو أي تشابه مع أي شهر آخر.

نسعد ونفرح بمجيئه ونستعد له باستعدادات تليق به وبحلوله علينا، وهناك أغنية مصرية جميلة للمطرب الشعبي عبدالمطلب تبثها الإذاعات وقنوات التلفزة المصرية، مرحبة بشهر الصوم بكلمات شعبية تقول: رمضان جانا وفرحنا به/ من بعد غياب/ رمضان جانا/ قولوا معانا/ أهلا رمضان.

ويا ليت تكون احتفالاتنا به تهتم بجوهر معنى هذا الشهر الفضيل، بألا نبالغ و"نضهول" فيها، مثل الذي يحدث من إقامة مبهرجات ومهرجانات لاستعراض فخامة وغرابة الملابس والجلابيات، وعجائب البوفيهات و"الغبقات"، وكرنفالات القرقيعان وسطوة مفهوم التفاخر والأبهة بالتفوق لمظاهر وعجائب لم يأتها أحد من قبلنا.

رمضان شهر رحمة ومحبة وصفاء وتواضع خلق وتصفية نفس وتطهيرها، وطاعة صافية لرب العالمين وليس للمباهاة على خلقه.

زارتني صديقة إنكليزية حلت كضيفة خلال أسبوع من شهر رمضان لتعيش التجربة معنا، وكانت لها ملاحظات إيجابية وسلبية على طريقة معيشتنا وتعاطينا معه، والإيجابيات كانت عن قوة التواصل العائلي والتراحم والعطاء بين الناس مما ليس له مثيل عندهم، أيضا لاحظت طريقة التعبد في الصيام والصلاة، ناتج عن إيمان عميق مخلص وصادق، وانبهرت بتبادل الأطعمة بين البيوت عند الإفطار، وكذلك الإفطار المقام بالمساجد وللفقراء، وأحبت احتفالات الأطفال بالقرقيعان، ودعوات الغبقات وجلسات النساء فيها بكل أزيائهن الجميلة الاحتفالية.

أما ملاحظاتها السلبية فهي أنها استغربت واندهشت جدا حينما رأت الجميع في الجمعيات لا يدفعون عربة مشترياتهم، بل هناك عامل مخصص لدفع عرباتهم، سواء كانت العربة لرجل أو امرأة أو شاب أو صبي صغير، هناك عمال تحميل وجر لعربات تسوقهم، وهذا أمر لا يمكن أن يوجد في إنكلترا مهما كان عمر المتسوق أو تردي صحته، رأيها هذا نبهني لأمر ربما كان بالنسبة لي كتحصيل حاصل في بلدنا، لكن بالفعل هو أمر مخجل ومكلف للجمعيات وللدولة بأعباء كبيرة وكثيرة، وحينما سألتني عن هذه الأعداد الهائلة من العمال البنغلادشيين الموجودين في الجمعيات وفي المطار وفي الشوارع لماذا هم منتشرون بهذه الكثرة، فقط لدفع عرباتكم في المطار والجمعيات، لماذا لا تدفعون عرباتكم بأنفسكم مثلما تدفعونها في لندن بدون الاستعانة بأحد ليدفعها لكم؟! وسألتني كم يكلف وجود مئات الألوف من هذه العمالة الهامشية دولتكم؟ كم تنفق عليها من سكن ومواصلات وعلاج صحي وغيره من أمور؟ وكم ستوفر الدولة من مبالغ ضخمة لو فقط قام كل فرد في الكويت بدفع عربة تسوقه بنفسه؟ هل تتخيلين أن تصرفا بسيطا وطبيعيا ومن المفروض أن يقوم به كل واحد فيكم كم سيعود بمردود مالي ضخم للدولة؟

بصراحة اندهشت واحترت بماذا أرد عليها، أحيانا يعتاد المرء على ممارسة الخطأ حتى يصبح عاديا، إذ لم يجد من ينبه إليه، وكان ردي لها: ربما دولة الكويت تجد نفسها مجبرة لفتح باب رزق لبلد فقير مثل بنغلادش.

قالت: بإمكان الكويت فتح مصانع عندهم وتشغيلهم فيها دون إحضارهم لخدمتكم، هم يستفيدون ويأتي دولتكم مردود أرباح مصانعها فيها، ولا يعودون منتشرين في طرقات وشوارع مدينتكم كعمالة هامشية غير مفيدة.

صديقتي أيضا استغربت من قصر فترة العمل وقلة وعرقلة إنجاز المعاملات، بسبب التكاسل والغياب وإهمال معاملات الناس بسبب الصيام والسهر، وأحيانا الإفراط في الأكل، الذي قالت عنه إن ما تنفقونه على الطعام في شهر رمضان أنفقه أنا في ميزانية سنة.

وخجلت أن أقول لها إن ما ترينه في بيتي يُعد من الإنفاق المتوسط والعادي، وهناك كمية هدر في الأطعمة عند بعض الأسر بالفعل تمثل ميزانية سنة للناس في إنكلترا وأوروبا.

عندما نرى أنفسنا وحياتنا وعاداتنا وتقاليدنا من منظور عين آخر، نكتشف أخطاءنا ونتعلم كيف نصححها ونتداركها قبل فوات الأوان.

رمضان كريم علينا جميعا، وعسانا دائما من عواده.

back to top