جولة وسط البلد

نشر في 13-05-2018
آخر تحديث 13-05-2018 | 00:09
في نظري أن ما يحدث وسط مدينة الكويت نوع من التمرد الخافت، فكل مقهى يلمع من النظافة أو مطعم أو غاليري جديد وسط منطقة بائسة يعبر عن صرخة شبابية تنادي بالتغيير.
 مظفّر عبدالله أول العمود:

ما الرابط بين اعتصام الطلبة المعترضين على لائحة الغش ومجلس الأمة؟ ربما يتوقعون إسناداً من بعض النواب!

***

دائما أقوم بجولات وسط البلد مشياً على الأقدام، خصوصاً في أجواء الشتاء المريحة والمشُجعة، ألاحظ ما يدخل في أجزاء من المباني القديمة من حداثة وتطوير يقوم به شبابنا في محاولة منهم للاستقلال عن الوظيفة الحكومية وحتى القطاع الخاص، ليكون لهم عالمهم الخاص، وكثير من تلك المباني القديمة عاصرتها في طفولتي ولها ذكريات في مخيلتي.

في المسافة الممتدة من دوار الشيراتون دخولا إلى شارع فهد السالم ووصولا إلى منطقة مجمع البنوك وسوق المباركية ومن ثم المضي قدما إلى منطقة شرق وأبراجها العالية تصطدم العيون بلوحات عمرانية فيها من المتناقضات الكثير، عمارات منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، باهتة، خَربة، وفي طابقها الأرضي مكتبة أو مطعم أو مقهى راق ونظيف يشجع على الجلوس فيه.

زحامان يمكن مشاهدتهما في تلك الأماكن، في الصباح الباكر حيث يتجمع الشباب من الجنسين بكامل أناقتهما لأخذ مشروباتهم المفضلة، مع قليل من التأملات الصباحية، وفي المساء حيث تمتلئ تلك "الصناديق" النظيفة والمتلألئة ضمن بناية عفنة بحشد من الشبان على أطباق عشاء مبتكرة ذات مكونات متناقضة، وطعم غير مألوف على لسان أمثالي.

في نظري أن ما يحدث وسط المدينة نوع من التمرد الخافت، فكل مقهى يلمع من النظافة، أو مطعم أو غاليري جديد وسط منطقة بائسة يعبر عن صرخة شبابية تنادي بالتغيير.

هو تغيير اجتماعي، بقيادة شباب يرفض الوصاية، ولا يريد سوى الحرية في اختيار أسلوب حياته، معظمهم تأثر بأجواء الدولة التي درس فيها، وجاء بعد سنوات من الغُربة ليصطدم بحالة اجتماعية وسياسية واقتصادية مُحكمة يديرها أشخاص بمواصفات من أنجزوا جلسة الاستجوابات الثلاثة المسرحية الأخيرة.

مستقبلا، لابد من أن يلتقي الجيلان في نقطة ما، لا نعلم إن كان سيسودها الحوار، أو كسر العظم والتهميش، في محاولة من بيدهم التشريع والثروة والسطوة إلى وقف هؤلاء الشباب من الطموح لأكثر من افتتاح مقهى أو مكتبة أو معرض للفنون، لكن الشواهد، وطبيعة الأشياء تقول ألا شيء يبقى على حاله، فالمستقبل لأهله وناسه وليس لمن يشارف على الموت.

ما يحدث في الكويت من حراك شبابي هادئ يتطلب مراقبة علمية ودراسة لتفاصيله من أهل العلم والأكاديميين لتلمس احتياجات جيل لا يريد أن ينخرط في أدوات فاسدة وغير صادقة، وديمقراطية تُختَزل في رمي ورقة في صناديق الانتخابات.

من المؤسف أن مقدرات الدولة البشرية والمالية تتوجه إلى الطريق الضيق، الطريق الخطأ، وما حملة "الحجاب" قصيرة النظر، وخطبة الجمعة الشهيرة التي كشفت للمصلين وقتها خطر "الإلحاد" المزعوم بين الشباب، سوى دليل على ضياع بوصلة الحكومة الرشيدة عن أغلى ثروة في الكويت وهي شبابها.

back to top