السكّري من النمط الثاني... جراحة السمنة تتغلّب عليه!

نشر في 08-05-2018
آخر تحديث 08-05-2018 | 00:00
No Image Caption
يبدأ الداء السكري من النمط الثاني مع مقاومة الإنسولين أو عجز خلايا الدهون، والعضلات، والكبد عن استخدام الإنسولين الذي ينتجه البنكرياس بغية حمل السكر إلى داخل خلايا الجسم واستخدامه في توليد الطاقة، بحسب المعهد الوطني للداء السكري، وأمراض الكلى، والأمراض الهضمية في الولايات المتحدة الأميركية. يبذل البنكرياس بادئ الأمر مجهوداً مضاعفاً لإنتاج مزيد من الإنسولين، إلا أنه يعجز في النهاية عن مواصلة إنتاج كمية كافية لإبقاء معدلات الغلوكوز (السكر) في الدم طبيعية. وهكذا يتراكم الأخير في الدم بدل أن يغذي الخلايا، فيُصاب الإنسان بالداء السكري من النمط الثاني ويحتاج إلى علاج. يعمل الباحثون راهناً على ثلاثة أنواع من العلاجات لتحديد فاعليتها في مقاومة الداء السكري من النمط الثاني أو ربما عكسه، من بينها جراحة السمنة. نلقي نظرة عليها.
بدأت كاتي ويلي صراعها مع الداء السكري من النمط الثاني عام 1990 عندما كانت حاملاً بولدها الثاني. تطوّر مرضها بسرعة، وفي غضون ثمانية أسابيع بدأت العلاج بالإنسولين، آملةً بأن يختفي هذا الداء مع ولادة ابنها. لكن حالتها ظلت تتراجع.

سرعان ما بدأت ويلي تعاني اضطرابات في النظر وتلفاً في الأعصاب، علماً بأنهما من مضاعفات الداء السكري الشائعة. كذلك أخذت معدلات اختبار خضاب الدم السكري (A1C) ترتفع في حالتها. كانت تعاني زيادة في الوزن بلغت 23 كيلوغراماً، وأضاف الأطباء دواء الميتفورمين إلى علاجها اليومي من حقن الإنسولين. في تلك المرحلة، قرأَت عن دراسة تتناول السكري من النمط الثاني في عيادة كليفلاند، وتشير إلى أن العيادة تستقطب المرضى للمشاركة في واحد من ثلاثة أنواع من العلاجات بغية تحديد فاعلية أساليب تهدف إلى علاج هذا الداء من النمط الثاني أو ربما عكسه.

في هذا السياق، يوضح الدكتور رونالد تاملر، المدير الطبي لمعهد الداء السكري السريري في مستشفى ماونت سايناي في نيويورك: «صحيح أن نمط الحياة غير الصحي مثل النظام الغذائي السيئ وبالتالي المعاناة من السمنة، وعدم ممارسة التمارين الرياضية تشكل عوامل خطر في السكري من النمط الثاني، إلا أن عناصر جينية تجعل غالباً الإنسان أكثر عرضة لهذا الداء».

بالإضافة إلى ذلك، يقول الدكتور جورج كينغ، مسؤول علمي في مركز جوسلين للداء السكري في بوسطن، إنه يتردد في استعمال كلمة «علاج شافٍ»، ولكن مع النظام الغذائي والرياضي المناسب، يدخل مريض السكري من النمط الثاني في مرحلة تعافٍ تدوم عقوداً من دون الحاجة إلى علاج. ويضيف أن السمنة أو الوزن الزائد يشكلان سبباً بارزاً وراء هذا الداء، إلا أن 20% فقط ممن يعانون السمنة أو الوزن الزائد يُصابون بالسكري.

يتابع كينغ موضحاً: «ثمة ما يحول دون إصابة غالبية مَن يعانون السمنة وزيادة الوزن بالداء السكري من النمط الثاني. وعندما نكتشف ماهيته، نتوصل إلى علاج على الأرجح».

ما قبل السكري

يجمِع الخبراء على أن «مرحلة ما قبل السكري» أفضل وقت لعكس ظهور النمط الثاني منه أو تفاديه، أي عندما تكون معدلات الغلوكوز في دم المريض أعلى من الطبيعي إلا أنها ليست عالية كفاية ليُعتبر مصاباً بالسكري من النمط الثاني، حسبما يشير المعهد الوطني للداء السكري، وأمراض الكلى، والأمراض الهضمية في الولايات المتحدة الأميركية. ولا يُعدّ المريض في هذه المرحلة أكثر عرضة لمرض القلب والسكتة الدماغية، بل أيضاً للإصابة بالسكري من النمط الثاني في غضون عشر سنوات.

يؤكد الدكتور براندون كولبي، طبيب بارز في كاليفورنيا يمارس أساليب علاجية شخصية للتحكم في التقدم في السن، أن مَن يكونون في مرحلة ما قبل السكري لا يعانون أي أعراض أو يصابون أحياناً بالدوار والتعب. ولكن مع اقترابهم من النمط الثاني من هذا الداء، تبدأ معاناتهم مع الخدر أو الإحساس بوخز في أصابع اليدين والقدمين، وفق الدكتور كولبي. وتشكّل هذه الأعراض إشارة إلى أن الجسم يواجه صعوبة في معالجة السكر.

يضيف الطبيب: «لا يولي الأطباء عادةً اهتماماً كبيراً لمرحلة ما قبل الداء السكري. لكن المرضى يجب أن يصروا على إجراء فحوص لهذا الاضطراب كي يتمكنوا من البدء بعكسه بإجراء تغيرات في نظامهم الغذائي، وزيادة تمارينهم الرياضية، والتنبه إلى المضاعفات».

برنامج الوقاية

شكّل برنامج الوقاية من الداء السكري (بحث بارز أجرته معاهد الصحة الوطنية في أميركا) مبادرة بحثية متعددة المراكز شملت مشاركين يعانون الوزن الزائد، تُعتبر معدلات السكر في دمهم أعلى من المعدل الطبيعي، إلا أنها ليست عالية كفاية ليُصنّفوا من مرضى الداء السكري من النمط الثاني، ويواجهون عوامل خطر تعرضهم للسكري. جرّب كل مشارك واحداً من ثلاثة أساليب للوقاية من الإصابة بهذا الداء أو تأخيره.

اختبرت المجموعة الأولى تغيّرات في نمط الحياة شملت النظام الغذائي، والنشاط الجسدي، والتعديلات السلوكية بهدف خسارة 7% من الوزن والحفاظ عليها. وتناولت المجموعة الثانية 850 مليغراماً من الميتفورمين (دواء فموي للداء السكري) مرتَين في اليوم. أما المجموعة الثالثة، فتناولت علاجاً وهمياً بدل الميتفورمين.

يوضح الدكتور آرون سيبس، محقق سريري في المعهد الوطني للداء السكري، وأمراض الكلى، والأمراض الهضمية، أن الدراسة تكشف أن خسارة الوزن والتمرن يساهمان في حالة مَن يُعتبرون عرضة للداء السكري من النمط الثاني في تفادي الإصابة بالداء السكري أو تأخيرها، شأنهما في ذلك شأن دواء الميتفورمين. وتكشف متابعة دامت عشر سنوات أن الوقاية من السكري أو تأخيره كانا أكثر ثباتاً بين مجموعة «تغيّرات نمط الحياة».

يضيف الدكتور سيبس أن الدراسة تشير إلى أن من الممكن عكس المرحلة الأولى من السكري من النمط الثاني، وأن الوقاية في المراحل الباكرة فاعلة أيضاً. ويتابع موضحاً: «عندما يكون السكر في الدم شبه طبيعي، يمكن عكس الداء من دون اللجوء إلى حبوب، أو إنسولين، أو أدوية أخرى. ولكن كلما تقدّم السكري، يتراجع احتمال عكسه».

يعرِّف الدكتور فيليب شور، مدير معهد طب السمنة والطب الأيضي في عيادة كليفلاند وبروفسور متخصص في الجراحة في عيادة كلية لينر للطب، فترة التعافي بالتمتع بمعدل سكر طبيعي في الدم طوال خمس سنوات من دون تناول أي أدوية. ويؤكد أن العلاج الوحيد الذي نجح في استيفاء شروط الجمعية الأميركية للداء السكري ليُصنَّف شافياً، ونُشر في مجلة «رعاية الداء السكري» التابعة للجمعية، يبقى جراحة السمنة.

عندما علمت كاتي ويلي بالتحضيرات لتجربة الداء السكري من النمط الثاني التي يخطط لها شور، قررت تجربة حظها ومعرفة ما إذا كانت مؤهلة للمشاركة فيها، ونجحت في ذلك. بعد الانتهاء من الاختبارات الأولية لتحديد مدى أهليتها، ضُمت إلى مجموعة الخضوع لجراحة مجازة المعدة. شملت المجموعتان الأخريان واحدة تلقى فيها المرضى علاجاً طبياً مكثفاً فحسب ضمّ أدوية واستشارات طبية. أما المجموعة الأخرى، فخضعت لجراحة تكميم المعدة، وهي نوع آخر من الجراحات المنحفة.

تُعتبر الدراسة، وتدعى «احتمال القضاء على الداء السكري بالعلاج الجراحي والأدوية»، إحدى التجارب العشوائية الكبرى التي تشمل مرحلة من أطول مراحل المتابعة، وتقارن العلاج بالأدوية بالجراحات المنحفة. واتضح أن الأخيرة هي الأكثر فاعلية في عكس الداء السكري من النمط الثاني.

يذكر شور: «خلال متابعة دامت خمس سنوات، استوفت نسبة كبيرة من مرضى الجراحات المنحفة شروط الشفاء التي تحددها الجمعية الأميركية للداء السكري».

في شهر يونيو 2016، خصّصت مجلة Diabetes Care عدداً كاملاً لتوجيهات تحدد مَن يعتبرون مؤهلين للجراحات المنحفة. لكن شور يستدرك موضحاً أن من الضروري أن نفهم أن أول خطوة لعلاج السكري تبقى اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية، من ثم اللجوء إلى الإنسولين والأدوية الأخرى.

يضيف: «لا ينصح الأطباء بالجراحة إلا عندما تخفق التغيرات في نمط الحياة والعلاج بالأدوية في ضبط السكري، علماً بأن خطر التعرض لمضاعفات أو الموت يبقى منخفضاً، فهذه الجراحات آمنة بقدر جراحة المرارة أو استئصال الرحم». بعدما صارت ويلي من المرضى الأوائل الذين خضعوا لجراحة منحفة كعلاج للداء السكري لا لخسارة الوزن، ما عادت تُصنَّف اليوم من مرضى السكري من النمط الثاني. في السنوات السبع الأخيرة، ظل معدل السكر في دمها طبيعياً ولم تتناول أي أدوية. ويخضع راهناً الآلاف لهذه الجراحة سنوياً. في هذا السياق، يذكر شور أن الإجراءات الطبية تحقق نجاحاً باهراً وتبدّل حياة الناس، لذلك يود أن يخضع لها عدد أكبر من المرضى وأن تساهم برامج التأمين في تغطيتها.

مع أن علاج الداء السكري من النمط الثاني وعكسه حققا تقدماً كبيراً في الآونة الأخيرة، ما زال أمام العلماء عمل كثير كي يتمكنوا من منع ظهوره. ولكن مع التربية التي تشدد على أهمية التمرن، واتباع نظام غذائي صحي، والحفاظ على وزن سليم، يتراجع عدد مَن يحتاجون إلى اتخاذ قرارات مهمة بشأن علاج مرض يكون مزمناً غالباً ويقصّر الحياة.

الخبراء يوضحون أن مرحلة ما قبل السكري هي أفضل وقت لعكس ظهور السكري من النمط الثاني
back to top