سقطة روائي مهم

نشر في 08-05-2018
آخر تحديث 08-05-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري رواية إبراهيم نصرالله "حرب الكلب الثانية" جاءت نسخة مشوهة عن رواية الديستوبيا للكاتبة لويس لوري The Giver، والتي ناقشت موضوع التماثل Sameness، ليس ذلك فحسب بل كانت نصا تائها ملأته التناقضات السردية واختلال الفكرة الأساسية. لم يتمكن نصرالله من حبكة السرد وصياغة الأحداث وترابطها، فجاءت على شكل تهويمات وسلسلة من التكرار الممل وصل إلى استخدام النسخ واللزق في بعض المشاهد، حتى إنك تشك في أن هناك أخطاء سردية لم ينتبه لها الكاتب.

إبراهيم نصرالله ليس كاتباً غراً أو مبتدئاً حتى نتسامح مع هذه المهزلة التي أطلق عليها رواية، حتى وإن نالت البوكر لأسباب نجهلها تماما، فهو روائي وشاعر له أعمال مهمة في المجالين، مما يلقي عليه مسؤولية أن يحافظ على مستواه الأدبي ويراجع عمله جيدا قبل نشره.

ربما لم يقرأ إبراهيم نصرالله رواية لويس لوري، ولم يقرأ مجموعة كبيرة من روايات المستقبل، والنصوص التي تداخل معها لم تكن سوى مجموعة من الأفلام ابتداء بفيلم ماتريكس وانتهاء بأفاتار. كان ذلك واضحا من خلال تكرار هذه الأعمال أثناء السرد، وحديثه عن الممثلات والممثلين وإن بطريقة غريبة وهو يتحدث عن زمن مستقبلي غير زماننا.

رغم ابتعاد الزمن الروائي المفترض فإن عدم القدرة على تبني فكرة هذا الانزياح جعلت النص معلقا من ساقيه في الحاضر، كما في هذا الحدث: يتحدث البطل لصهره الضابط عن توم كروز ونيكول كيدمان وبينلوبي كروز، وحين يعرف الضابط أن بينلوبي كروز كانت زوجة المخرج الإسباني قبل توم كروز، "ارتبك الضابط وأحس بحلقه يجف، وعينيه يغادران محجريهما، كرع ما في كأسه دفعة واحدة". لا مبرر لكل هذا الانفعال وما يفصل بين الزمنين زمن طويل تغيرت فيه وجوه نجمات السينما والتعلق بهن لهذا الحد المفتعل.

ارتبك النص كثيرا وبدا كائنا مهزوزا لا نعرف واقعيته من خياله، ففي تشابه البطل راشد والراصد الجوي تنام زوجة راشد مع الراصد دون أن تعرفه، وحين يتشاجر معه راشد تستطيع كل الحارة أن تفرق بينهما وتعرف هذا وذاك. وعليك أن تضحك في سرك.

يحاول الراوي أن يضفي شيئا من الفكاهة للنص، لكنها في أغلب الحالات جاءت سمجة لا تستحق الابتسام. فحين يخاطب راشد زوجته "سلام" عن سكرتيرته التي تشبهها نقرأ، "حين تكون معي (السكرتيرة) أضمن أنك في سلام، وضحك، يا سلام". من المفترض أن هذه طرفة.

لم تحافظ الرواية على فكرة ثابتة، فتداخلت أفكار مكررة كالاستنساخ والاضطهاد والتشابه، ولم تنجح اللغة الغارقة في العادية والثقل في تخفيف حدة الملل السردي. هذه اللغة السردية التي عانى منها النص فأثقلته ليعتمد الكاتب الحوارات الطويلة بدلا من السرد، لكنها أيضا كانت حوارات مشوهة وتائهة لم تحقق للفكرة بلوغ هدفها.

في مواقع كثيرة كانت التشبيهات والاستعارات غريبة وغامضة سواء في الحوار:

- هل اختارت السيدة طعامها؟

- أحضر لي أي شيء على ذوقك

- شكرا مدام! قالها وكأن طبيبا يقوم بخلع أسنانه.

أو في السرد، "كان المدير العام يريد أن يشكره بأي طريقة يريدها، وأوصى بنوعيات من الشراب اعتقد راشد دائما أنها لم تعد موجودة، لكن غيمة الهم الرقيقة كانت غير شفافة".

قرأت الرواية بناء على توصية من قراء أحترم ذائقتهم النقدية وحضورهم النقدي. هؤلاء القراء يرون أنهم خدعوا من النقاد الذين يصورون عملا لا يستحق بأنه فتح روائي، ويشكون في ذائقتهم حين يقارنونه بأعمال عديدة، عربية وأجنبية، قرأوها على امتداد سنوات طويلة. وهنا أقف معهم وأؤكد لهم أن الرواية التي اقترحوها هي أسوأ رواية قرأتها لكتابنا الكبار.

back to top