مخاطر «صفقة القرن» وبؤس التطبيع

نشر في 06-05-2018
آخر تحديث 06-05-2018 | 00:09
 مصطفى البرغوثي تُسرب الصحف الإسرائيلية من حين لآخر بعض معالم ما تسميه "صفقة القرن"، وآخر هذه التسريبات ما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، التي ادعت أن الإدارة الأميركية أبلغت ليبرمان وزير الجيش الإسرائيلي أن "الصفقة" تتضمن فصل أحياء شعفاط، والمكبر، والعيسوية، وأبو ديس عن مدينة القدس.

وقبل ذلك نُشرت شائعات عن نوايا إسرائيلية لفصل منطقة كفر عقب عن بلدية القدس بهدف سحب هويات سكانها المقدسيين.

وطالما كرر ليبرمان نفسه تصريحات متكررة عن فصل الفلسطينيين بمن فيهم أهالي 1948 وسحب الجنسية منهم:

الأمر الأول الجامع بين هذه الأفكار هو الترويج لضم وتهويد القدس، والمس بحق الفلسطينيين في أن تكون عاصمتهم.

أما الأمر الثاني فهو محاولة تنفيذ عملية تطهير عرقي عنصري للقدس من خلال سحب الهويات المقدسية من نحو 130 ألفا من المقدسيين من سكان الأحياء المذكورة، بهدف تعديل التركيبة السكانية لمدينة القدس لمصلحة اليهود الإسرائيليين.

أما الأمر الثالث فهو محاولة التحضير والترويج للفكرة الخبيثة والمرفوضة باستبدال مدينة القدس كعاصمة لفلسطين بأحياء أو بلدات في محيطها مثل بلدة أبو ديس، والعمل في الوقت نفسه على إخماد المقاومة الشعبية في هذه الأحياء والتي تميزت بالتصاعد والبسالة منذ سنوات.

وإذا كانت ما تسمى "صفقة القرن" تخطط فعلا لتبني هذه الأفكار فلا بد من القول إن ذلك يمثل إثباتا جديدا على أن خطة السلام الأميركية ليست سوى نسخة عن المطالب والمخططات الإسرائيلية، بل إنها نسخة تفتقر للإبداع والتجديد، ولو على سبيل حفظ ماء الوجه.

ويترافق ذلك مع اتضاح ملامح النهج الذي يحاول الفريق الأميركي تمريره، بتكرار نمط "اتفاق أوسلو" الذي سبب للشعب الفلسطيني خسائر لا توصف بسبب طابعه الذي اتسم بالجزئية، والمرحلية، والانتقالية، مع تأجيل القضايا الجوهرية كالقدس، واللاجئين، والحدود، والاستيطان، ودون وقف الإجراءات الإسرائيلية التي تغير معالم كل واحدة من هذه القضايا.

التجزئة والتأجيل ليسا سوى وصفة لقتل القضايا أو شطبها، وكما أثبتت الحياة فإن أي مفاوضات ستجري في ظل الاختلال في ميزان القوى لن تكون سوى غطاء لعملية فرض الحقائق من جانب واحد، أي من جانب إسرائيل.

ودون الخوض في تفاصيل أكثر لعل من المفيد أن يتذكر الجميع حقيقتين أساسيتين:

الأولى، أن فكرة الحل الوسط بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية قد فشلت، لأن هذه الحركة وحكومات إسرائيل لم، ولا، ولن تريد حلا وسطا، وكل ما أرادته من اتفاق أوسلو كان تحييد آثار الانتفاضة الشعبية، وكسب الوقت لاستكمال عملية الضم والتهويد، وإحداث انقسام عميق في الساحة الفلسطينية.

أما الحقيقة الثانية فهي أننا لسنا في مرحلة حل مع إسرائيل، بل في مرحلة كفاح ونضال لتغيير ميزان القوى، وكل المقدرات النضالية والسياسية والدبلوماسية الفلسطينية يجب أن توجه نحو هذا الهدف.

وإذا كانت هناك نية لتنفيذ ما أُعلن في المجلس الوطني الأخير من قرارات كإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية، والانضمام للمؤسسات الدولية المهمة التي لا تريد الولايات المتحدة أن ننضم لها كمنظمة الملكية الفكرية، والصحة العالمية، فإن أفضل موعد مناسب للتنفيذ سيكون يوم الرابع عشر من أيار (مايو) عندما تنقل الولايات المتحدة سفارتها للقدس، وسيمثل ذلك اختبارا ملموسا لمدى الجدية في تنفيذ قرارات المجلس الوطني بهذا الشأن، ومؤشرا لما سيتم تنفيذه من قرارات أخرى.

ومن المؤسف، والمحزن، أن التسريبات الإسرائيلية حول "صفقة القرن" ترافقت مع حدث تطبيعي لا يجوز القبول به، وهو مشاركة فرق عربية، قيل إنها من البحرين والإمارات فيما يسمى سباق طواف إيطاليا للدراجات الذي ينظم في إسرائيل في الذكرى السبعين للنكبة المؤلمة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وما أدت إليه من تطهير عرقي مشين.

لا أدري إن كان الذين قدموا للمشاركة في هذا السباق، يدركون مدى فداحة الجرم الذي يرتكبونه بالتطبيع مع مرتكبي جريمة فادحة بحق إخوتهم الفلسطينيين، ولكن إن كانوا لا يدركون، فقد كان من واجب مسؤولي أنديتهم وفرقهم، ردعهم عن هذه المشاركة في بؤس التطبيع المذكور.

وبغض النظر عن ذلك، وعن مساعي التطبيع الإسرائيلية التي تعثرت، فإن العامل الحاسم الذي أوقف "صفقة القرن" حتى اليوم، وأحبط توجهاتها التطبيعية، كان وما زال الموقف الفلسطيني الجماعي الرافض بحزم لها والذي يجب أن يستمر، ويتعزز، ويترجم الى قرارات جريئة بمواجهتها.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top