انزلوا الآلام منازلها!

نشر في 03-05-2018
آخر تحديث 03-05-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري إن الألم اللامع كصهيل برق، لا يستحق عناء الخوف منه، ذلك النوع من الألم الذي يخطف قلوبنا فجأة، ويضعها قطع حلوى بين مخالب قسوته، والذي كلما اصطاد قلبا أقام كرنفالا تزينه ألعاب نارية من الوجع في صدورنا، ليستعرض عظمته من خلال غنيمته، ألم جبان، ولا يستحق حتى ثمن ضماده، ألم حديث نعمة بالجروح، كلما اقتنص برصاصة من مخبئه حلما طائرا في الفضاء بخفة راهنا جناحيه لأرجوحة الزغاريد ورآه مضرجا بدمه على الأرض، طار هو من الفرح وذاك، لأنه حديث علم بالرماية، وحديث فرح بالفرائس، وإصاباته، وإن كانت في الغالب لا تقتل، إلا أنها قد تكون خطيرة. ومع هذا، فإن ذلك لا يمنحه شرف الخوف منه، فهذا النوع من الألم الذي يهيج حال عبوره سياج صدورنا، ويعيث فسادا في مروج أرواحنا، يكسر غصنا هنا، ويدمر شجرة هناك، ويشعل حريقاً في برج الحمام النابت في زاوية منها، ليس سوى زوبعة في فنجان. ويجدر بنا أن نكون قادرين على تجاوز آثاره، وقلوبنا قادرة على الخروج من عنق زجاجته، فكل ألم يستعرض قوته، ويرافق انتصاراته بالضجيج، فإنه يغطي بذلك ضعفه. وكل ألم يبتهج بهزيمة قلوبنا بالضربة القاضية منذ اللحظة الأولى، دليل على أنه لم يكن لديه أدنى يقين بالنصر، وما اعتماده المفاجأة خطة للانقضاض على أفئدتنا سوى سلاح من قائمة أسلحته التي يداري بها عجزه، والتي استغلها وهما يغذي به خوفنا، بأنها قوته الذاتية، فيما هو ألم عادي تحتقره الجروح، ولا تُعدّ سباياه منها من الحرائر، ولا تحاك بذهب الدمع القصائد وشاحاً على جيدها. ألم ينقص قدر غنائمه، ويمكن سد ثقبه بحبة عنب ونفض غباره بمجرد وقوف قلوبنا على أقدامها، ألم لا يرتقي لمرتبة التقدير، بخلاف تلك الآلام المهيبة التي لا تعلن حضورها فينا، ولا تفزع قلوبنا بقرع طبولها ووقع حوافر خيولها، كالفاتحين من باب سري فينا، وتصبح بعد قليل من الزمن شيئا منا لا تغادرنا إلا ومعها قطعة من الروح، ونشكرها أن اكتفت بها. مدهشة طريقة تلك الآلام في انهيارنا، فهي حليمة في التهامنا على مهل، و"مزمزتنا" بهدوء، وإن لم تكن رؤوفة بنا، تاركة أمر معرفة وجودها للصدفة البحتة، فهي لا تقيم احتفالا بالنصر حين الظفر بآهتنا الأولى، ففيها من الحكمة التي يكفيها شر الأخذ بنشوة البدايات وخطأ اعتبار النقطة في آخر الدم خاتمة الجرح. هذا النوع من الآلام هو الذي يستحق منا الخوف المطعَّم بالاحترام، وهو الذي نختار له القرابين، ليرضى اتقاء لغضبه، وندلك أقدامه الرخامية بزيت البُعد، لتشهيه المسافة، وهو الذي نقيم قدَّاسا له سرادق الصدر مع مرور كل ذكرى له.

إن للآلام مراتب، ويحسن أن ننزل كل ألم منزلته، حتى لا نحمِّل قلوبنا أحزاناً لا تستحق عبء حملها.
back to top