هل تعيد كوريا الشمالية للولايات المتحدة مكانتها كصانع سلام عالمي؟

نشر في 01-05-2018
آخر تحديث 01-05-2018 | 00:06
 وورلد بوليتيكس ريفيو تكون عمليات السلام دوماً معقدة إلى أبعد الحدود، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن صنع السلام قلما يقتصر على صنع السلام فقط، بل تعوق سياسات القوة دربه باستمرار، وهناك حالتان بالغتا الصعوبة تهيمنان حالياً على السياسات الدولية تسيران في اتجاهين مختلفين تماماً، فالجهود المتعددة الأطراف لإنهاء الحرب السورية متعطلة تماماً، في المقابل تندفع الكوريتان الشمالية والجنوبية نحو السلام بسرعة تكاد تكون مخيفة.

تقدّم هاتان الحالتان رؤيتين مختلفتين تماماً عن مستقبل تعاون القوى الكبرى وصراعاتها، فضلاً عن استمرار دور الولايات المتحدة كصانع سلام عالمي، فمنذ نهاية الحرب الباردة أدت الولايات المتحدة دوراً رئيساً في صوغ جهود السلام في الصراعات الكبرى، فأخفق بعضها وأثمر بعضها الآخر.

كان للقوى الكبرى الأخرى تأثير أقل بكثير في نتائج صراعات ما بعد الحرب الباردة، وإن كانت مصالحها مرتبطة بها مباشرةً، فعلى سبيل المثال عجزت روسيا عن حل سلسلة من الحروب في مناطقها الحدودية عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، مما خلّف صراعات مجمّدة من مولدوفا إلى ناغورني كاراباخ، ورغم ثقتها الجيوسياسية المتجددة، ظلت موسكو عاجزة عن إصلاح هذه الأوضاع بما يتناسب مع مصالحها.

نلاحظ اليوم توزيعاً عاماً لسلطة صنع السلام بعيداً عن القوى الكبرى عموماً، فيكتسب اللاعبون الإقليميون، مثل الدول الإفريقية، تأثيراً متنامياً في التعاطي مع الصراعات في جوارهم، ففي مواقع مضطربة مثل جنوب السودان، سمحت الصين والولايات المتحدة لقادة شرق إفريقيا بالإمساك بزمام الأمور، علاوة على ذلك يعتقد محللون كثر أن صنع السلام لا يرتكز على صنع سلام تقوده الحكومة أو عملية تنظمها مؤسسات دولية، بل على جهود منخفضة المستوى في عملية صنع سلام محلية بغية معالج العنف المتوطن.

قد تكون سورية قريبة إلى نوع من الاستقرار أكثر مما توحيه التقارير عن حصار الغوطة وغيرها من المدن، فيُحكم الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون سيطرتهم على آخر الجيوب المتبقية في منطقة الثوار، أما مستقبل مساحات كبيرة من هذا البلد، وخصوصاً تلك التي يسيطر عليها الأكراد، فما زال مجهولاً، كذلك من المتوقع أن يستمر عدد من جيوب المقاومة، لكن الحكومة قد تتمكن قريباً من إعلان انتصارها على خصومها الأساسيين وتتوصل إلى طرق للتعايش مع ما تبقى منهم.

إذا نجحت روسيا في ضمان نوع من السلام في سورية وفق شروطها، أو الأفضل من ذلك، إذا نجحت في إقناع الولايات المتحدة وحلفائها بالقبول به، فلا شك أن موسكو ستتفاخر بأنها استعادت مكانتها كقوة في الشرق الأوسط.

لكن توقّع الفائز الدبلوماسي في عملية السلام الكورية أكثر صعوبةن فثمة احتمال كبير أن يتبين أن الوعود الحالية بتحقيق إنجاز كبير ما هي إلا وهم، ولكن إذا كانت التسوية ممكنة فلا شك أن الولايات المتحدة ستدّعي أن هذا يبرهن أنها ما زالت قادرة على صوغ الأحداث في شرق آسيا. على نحو مماثل، ستسعى بكين لتضمن ظهورها كوسيط أساسي في هذه العملية، مما يحسّن بالتالي مكانتها في وجه واشنطن، كذلك قد يأمل رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، الذي أدى دوراً مهماً في تحفيز المحادثات، التخفيف من اعتماد سيئول السياسي على هاتين القوتين العظميين في تعاطيهما مع كوريا الشمالية.

قد يساهم التوصل إلى صفقة كبرى في شبه الجزيرة الكورية في الحد من الضرر الذي ألحقته سورية بمصداقية الولايات المتحدة، حتى إنه قد يبدد الانتقادات الدولية الموجهة إلى خطوات ترامب الرامية إلى تقويض الصفقة النووية الإيرانية. صحيح أن ترامب اشتهر بمواقفه العدائية، إلا أنه بدا دوماً مدركاً أن السلام منتج يلقى رواجاً كبيراً على الصعيد الدولي، فخلال حملته الرئاسية الأميركية عام 2016، أعلن أن "السلام العالمي" يشكّل "الصفقة الفضلى".

من المستبعد أن يحقق ترامب هذا الهدف السامي، لكنه قد يستغل اتفاقاً مع كوريا الشمالية ليُظهر أن الولايات المتحدة لا تزال صانعة السلام العالمي.

*«ورلد بوليتيكس ريفيو»

back to top