الكاتب وشخصياته

نشر في 01-05-2018
آخر تحديث 01-05-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري في كثير من القراءات التي يقدمها البعض عن الرواية تتداخل إشكالية الخلط بين الكاتب أو الروائي والراوي وشخصياته. وأكثر من يعاني ذلك الالتباس هو الكاتب الذي يقدم عملاً يتناول فيه شريحة من مجتمعه ينتمي إليها.

ما يثير الكاتب هو محاولة الربط بينه وبين وما تطرحه الشخصية أو الراوي، سواء كان الشخص الثالث أو الشخص الأول. تلك ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الكتّاب لهذا الخلط وفي الكويت تحديداً. أحد الروائيين ذات مرة كان يتحدث عن والدي الشهيد في حرب أكتوبر، وحين سألته من أين له هذه المعلومة فقال إنني ذكرتها في رواية "سماء مقلوبة". قلت له ذاك والد الشخصية وليس والدي الذي كان يومئذ على قيد الحياة.

قد تبدو تلك مسألة بسيطة أمام إشكالية أكبر حين يتم تناول ما تطرحه شخصية ما في العمل، وإسقاطه مباشرة على الروائي بطريقة انتقائية، فلنتأمل مثلاً هذا الحوار بين شخصيتين في عمل واحد.

الشخصية الأولى: أنا لا أؤمن بوجود خالق للكون.

الشخصية الثانية: أنا أؤمن بوجود الخالق حتى تثبت لي العكس.

هذا الحوار بين ملحد ومؤمن، وهما على النقيض تماماً من أفكار بعضهما، فأيّهما الكاتب في نظر القارئ؟

سيعمد كثيرون على تقديم الحوار الأول ليمثل دور الكاتب وأفكاره، وقلة قليلة ستفصل بين الكاتب وهاتين الشخصيتين. وربما يتعرض الكاتب للمحاكمة بانتقاء دور يمثله في الرواية، وإجباره على اعتناق أفكار تلك الشخصية دون سواها.

في محاضرة للأستاذ عبدالهادي الجميل حول ثلاثية الجهراء قدم خلالها بحثاً بانورامياً حول علاقة الشخصيات البارزة في العمل وسلوكها الذي تبنته نتيجة وضعها الاجتماعي، كانت هناك إشارات مهمة حول طرح الشخصيات لمفهوم المواطنة والهوية، وعلاقة كل شخصية مع الأخرى، حسب وجودها على السلم الاجتماعي. لكن الذي بدا واضحاً أن الحضور كان في ريبة من هذا التناقض بين شخصيات العمل الواحد. وربما لم يسعف الجهد الكبير الذي قام به الزميل وضيق الوقت في طرح نظرة أدبية للبحث، والذي كان الهدف منه البحث السياسي والاجتماعي بشكل خاص.

سأقتصر هنا على رواية واحدة وهي المسطر، والتي طرحت إشكالية علاقة الفرد بالوطن/السلطة وعلاقة الوطن/السلطة بالفرد. في طرح الشخصيات الرئيسية الثلاث لمفهوم المواطنة يرى عبدالكريم، الذي رفض تغيير مكانه أو البحث عن بديل لوطنه، أنه لا شيء بإمكانه أن يقتلعه من وطنه، وأن جذوره امتدت إلى أعماق يصعب اجتثاثها. على الجانب الآخر يقف رومي راضي على النقيض تماماً، حيث يرى أن الوطن مجرد أرض بالإمكان استبدالها، وهو ليس سوى كذبة وليس قدراً، أما الشخصية الثالثة، وهي الخال الذي ضحى بكل حياته في سبيل وطنه، ولم يجد سوى النكران والجحود، فيرى أن الوطن هو الأرض التي يجب أن تضمه ميتا كما ضمته حيا.

في كل هذه الآراء لا نعرف رأي الكاتب، وليس لنا الحق أن نحمله أحدها دون الآخر. لم يقل لنا الكاتب رأيه الخاص، ولا يمكن اشتقاق هذا الرأي من شخصية دون أخرى كما نشاء، محاولين إسقاط حياته الخاصة على كتابته. في هذه الرواية وغيرها لا أجد نفسي متناسقاً مع شخصية من عملي، ربما أجدني اتفق واختلف معها كما يتفق ويختلف معها القارئ.

back to top