نقطة تحوّل ترامب وكوريا الشمالية

نشر في 28-04-2018
آخر تحديث 28-04-2018 | 00:02
No Image Caption
سيأتي لقاء الرئيس الأميركي المحتمل مع كيم يونغ أون في مرحلة تشهد فيها السياسة الخارجية الأميركية تبدلات سريعة، فقد ذُهل العالم عندما سمع قبل أيام إعلان الحاكم المستبد كيم يونغ أون أنه سيعلّق تجارب بلده النووية استعداداً للقاء الوشيك مع ترامب، وهكذا كان على الجميع، حتى منتقدي ترامب، الإقرار بأن خطاب الرئيس العدائي منذ الصيف الأخير بشأن تهديد كوريا الشمالية أثمر، وخصوصاً عندما دعم مقاربة «التحدث بصوت عالٍ والتلويح بعصا كبيرة» يتبعها في السياسة الخارجية استخدام فعلي للقوة، كما برهن أخيراً من خلال الضربات الجوية على سورية.

ولكن ما مدى صدق وعود كيم؟ يهوى المشككون في ترامب الإشارة إلى أن كيم سبق أن أعلن تعليق برنامجه النووي مرات عدة، لكن كيم قدّم تنازلاً آخر الأسبوع الماضي قلما حظي بالاهتمام، مع أنه أكثر أهمية للمستقبل: سحب مطالبته السابقة برحيل الجنود الأميركيين من شبه الجزيرة الكورية قبل مناقشة مسألة نزع الأسلحة النووية، ويعني هذا أن أي صفقة تُعقد بشأن إنهاء برنامج كوريا الشمالية النووي قد تكون منفصلة عن وضع القوات الأميركية في كوريا وعن الدور الأميركي الاستراتيجي في المنطقة.

يشير نجاح ترامب إلى عملية إعادة اصطفاف كبرى في توازن القوى في شرق آسيا؛ لهذا السبب آن الأوان أن نفكّر في أوجه الاختلاف بين مقاربة ترامب إلى قضايا السياسة الخارجية، مثل كوريا الشمالية، ومقاربة مستشاره للأمن القومي جون بولتون من جهة ومقاربات أسلافهما من جهة أخرى، كذلك علينا تأمل ما تمثله هذه المقاربة من ثورة في العلاقات الأميركية مع سائر دول العالم.

لا يمكن للتباين بين ترامب وسلفَيه المباشرين جورج بوش الابن وباراك أوباما أن يكون أكثر حدة، فقد استند كل من أوباما وبوش إلى رؤى عظيمة عن قيادة الولايات المتحدة العالم إلى حقبة جديدة من السلام والاستقرار إما (كما في حالة بوش) من خلال عملية لا متناهية من بناء الائتلافات على المستوى المتعدد الأطراف وبناء الأمة على المستوى الثنائي، أو (كما في حالة أوباما) من خلال «الصبر الاستراتيجي» و»القيادة من الخلف»، وهما مرحلتان ساهم فريق أوباما للسياسة الخارجية في تعزيز شهرتهما وإن سلباً.

مثّل كلاهما بواقي الإرث الزائل لفكرة وودرو ويلسون عن أن للولايات المتحدة مهمة سارة: جعل العالم آمناً للديمقراطية (ما تحوّل لاحقاً إلى إبقاء العالم خالياً من الشيوعية وأخيراً من الإرهاب) وخوض فقط الحروب التي ستنهي كل الحروب (أو عدم التدخل فيها البتة). حفّزت هذه الفكرة بدرجات متفاوتة السياسة الخارجية لكل رئيس أميركي من ويلسون وفرانكلين روزفلت إلى جيمي كارتر ورونالد ريغان، فضلاً عن بوش وأوباما.

لكن ترامب خلع عباءة ويلسون من الأفكار العظيمة والأجندات العالمية، فأدى ضيق رؤيته (كيف أجعل الولايات المتحدة قوية وواسعة النفوذ مجدداً؟) إلى وضوح في الأهداف وفاعلية في الأساليب، التي شملت التهديد باللجوء إلى القوة العسكرية (الذي برهن في سورية أنه ليس تهديداً فارغاً)، والذي يُعتبر ثورياً بحد ذاته، فمنذ حرب فيتنام اعتُبر العمل العسكري الأميركي الأحادي الطرف غير أخلاقي بالكامل، حتى إن الليبراليين والنقاد الآخرين يعتقدون أن التهديد باللجوء إليه منافٍ أيضاً للأخلاق، إلا إذا زُيّن بقرارات الأمم المتحدة و«ائتلاف الدول الراغبة».

حتى ترامب نفسه حرص على مشاركة بريطانيا وفرنسا في ضرباته الجوية الأخيرة في سورية، ولكن في مسألة كوريا الشمالية، تخلى ترامب عن تلك القيود المفروضة على التهديد باللجوء إلى القوة الأحادية الطرف، وهكذا دفع بالأوضاع في شبه الجزيرة الكورية إلى نقطة تحوّل.

لا شك أن أسباب الحذر لا تزال كثيرة، فقد كان شعار اليوم «لا تثق مطلقاً وتحقق دوماً»، ولا ينطبق هذا الشعار على التعامل مع كيم فحسب، فمن الضروري أن تراقب إدارة ترامب كل خطوة تقدِم عليها الصين في هذه العملية، ولا شك أن بكين ترغب بشدة في أن يلغي نزع فتيل التوتر الكوري كل مبرر لبقاء الجنود الأميركيين في كوريا الجنوبية، علماً أن هؤلاء الجنود يحرسون هذا الموقع الاستراتيجي الآسيوي الشرقي منذ عام 1950. بكلمات أخرى لطالما استخدمت الصين الدولة الكورية الشمالية المارقة لتقسّم الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة وتلهيهم، ومن المؤكد أنها ستبحث عن وسائل تستغل بها كوريا الشمالية المنزوعة المخالب بالطريقة عينها، وخصوصاً لحمل الولايات المتحدة على الخروج من كوريا الجنوبية، مما يتيح للصين الهيمنة على الكوريتين اللتين تتوقان إلى الوحدة.

لذلك يُعتبر استمرار الوجود الأميركي في شبه الجزيرة بالغ الأهمية لصون مصالحنا مهما حدث، فيشكّل هذا الوجود بوليصة تأمين ضد أي انتهاك قد تقدِم عليه بيونغ يانغ ووسيلة لكبح لجام طموحات بكين الإقليمية.

أما بوليصة التأمين الأخرى ضد سوء نوايا بيونغ يانغ، فتقنية لا دبلوماسية، وتشمل خصوصاً درع دفاع صاروخية بالستية تضم نظاماً لاستخدام طائرات من دون طيار مسلحة بصواريخ اعتراض مفرطة الحركة بغية تنفيذ عملية اعتراض مدعمة ضد أي إطلاق للصواريخ الكورية الشمالية، وهذا النظام، الذي وصفتُه سابقاً في مقالاتي في «ناشيونال ريفو»، يحظى بدعم متزايد في وزارة الدفاع والكونغرس الأميركيين، ولم تصبح الاعتمادات الضرورية لتطوير هذا النظام ممكنةً فحسب، بل مرجحةً أيضاً، وسيشكّل هذا النظام، إلى جانب ما تبقى من نظامنا الدفاعي الصاروخي البالستي، أداة أساسية لردع أي تهديدات صاروخية مستقبلية من كوريا الشمالية في حال أخفقت المفاوضات، علماً أن هذا ما يحدث غالباً مع كوريا الشمالية.

رغم ذلك ستستمر ثورة ترامب في مجال السياسة الخارجية، فما زال العالم والولايات المتحدة في طور الاستيقاظ والتنبه لمدى عمق التحوّل الذي تمثّله.

● آرثر هيرمان- ناشيونال ريفيو

كيم قدّم تنازلاً أكثر أهمية للمستقبل بسحب مطالبته السابقة برحيل الجنود الأميركيين من شبه الجزيرة الكورية
back to top