«الحرير - الجزر»... مشروع دولة شرط جودة الأهداف

• ضرورة علاجه اختلالات الاقتصاد خصوصاً الإيرادات والسكان وسوق العمل و«الخاص»
• لا تبالغوا في الرهان على إيران والعراق فكلاهما غير مستقر ومتعثر بالتنمية والتعاون الاقتصادي

نشر في 26-04-2018
آخر تحديث 26-04-2018 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
إن تحقيق الطموحات العالية للمشروعات الكبرى يستلزم تقديم أمثلة نجاح في مشكلات أصغر وأخرى متناهية الصغر تبدأ من الأزمة التي خُلقت من العدم في سوق العمالة المنزلية، صعوداً إلى وقف التوسع في نفقات الميزانية العامة للدولة.
يفرض مشروع تطوير الجزر الكويتية ومدينة الحرير نفسه على الحديث في الشأن الاقتصادي، بوصفه مشروع الدولة الأكبر المعلن، حتى الآن، من حيث الحجم والتطلعات، إذ يستهدف المشروع -بحسب الأرقام الرسمية- جذب استثمارات تصل قيمتها الى 450 مليار دولار، بناتج محلي سنوي يناهز 35 مليار دولار، إضافة إلى توفير نحو 200 ألف وظيفة كلها خارج إطار الاعتماد على النفط، فضلاً عن استثمارات مالية وسياحية وبيئية ومشاريع لوجستية وأكاديمية وصناعية وتكنولوجية، وهذه أفكار اقل ما يقال عنها أنها ستنتج، حال تنفيذها، كويتا ليس فقط جديدة، بل مختلفة الى حد كبير.

وبعيداً عن الإفراط في التفاؤل او الإمعان في التشاؤم، فإن مشروع بحجم "الحرير - الجزر" يتطلب مجموعة من السياسات والإجراءات وجودة في الأهداف، التي تقيه من التعثر، مثلما حدث سابقاً مع مشروع التحول الى مركز تجاري ومالي منذ نحو 14 عاما، والذي تشير بيانات ومراكز الكويت التنافسية كلها إلى عدم نجاح السياسات التنفيذية فيه، أو ما حدث مع خطة التنمية الطموحة جدا في عام 2009، والتي تحولت لاحقا الى مجرد برنامج لمتابعة السياسات في الجهاز التنفيذي، فإن أي مشروع دولة بحجم "الجزر - الحرير" يستوجب ربطه باختلالات الاقتصاد الرئيسية، وأهمها ان يوفر المشروع ايرادات غير نفطية من استثمارات منتظمة تدعم تدفقات الميزانية على المدى الطويل، وأن تسهم في حل مشكلات سوق العمل، من خلال خلق وظائف خارج اطار القطاع العام، فضلا عن الا تزيد الاستثمارات والعمليات في المشروع اختلالات التركيبة السكانية، أو ان تكون بيئة حاضنة للعمالة الهامشية، ناهيك بأن يمثل القطاع الخاص الحقيقي الاجنبي او المحلي، بشرط توفر خصائص المنافسة والابتكار والنزاهة، جانبا مهما من عمليات الاعمال والاستثمارات. عندها يمكن القول إن هذا المشروع نجح في اهدافه وتطلعاته العالية.

تطلعات وأهداف

وقد يتساءل البعض: أليس جذب الاستثمارات بما يوازي 450 مليار دولار، فضلاً عن حجم الناتج المحلي وفرص العمل، اتجاهاً واضحاً نحو معالجة اختلالات الاقتصاد؟

بالطبع نعم, غير أن تحقيق الأهداف يختلف جذرياً عن الوعود أو حتى التطلعات، فرغم الدعم السياسي القوي للمشروع من شخص بموقع النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، الذي يعبر عن ارادة الجهاز التنفيذي للدولة، فإن هناك مثبطات فنية تقلل من حجم توقعات الانجاز، مثل ارتكاز مشروع "الحرير - الجزر" على رؤية الكويت 2035 التي تفتقر الى برامج عمل تنفيذية محددة لمتابعة تطور العمليات حتى بلوغ مداها بعد 17 عاما، بل ان وثيقة الاصلاح الاقتصادي والمالي، على ما فيها من ملاحظات وانتقادات، والتي تم استبدالها بعد عام تقريبا بوثيقة استدامة (... ) تعد أكثر مهنية ووضوحا من رؤية 2035، لأنها تتحدث على الاقل عن برامج محددة، وإن خلت من خطط المتابعة.

أمثلة نجاح

لا شك أن تحقيق الطموحات العالية للمشروعات الكبرى والضخمة يستلزم تقديم أمثلة نجاح في مشكلات أصغر وأخرى متناهية الصغر، تبدأ من الازمة التي خُلقت من العدم في سوق العمالة المنزلية، صعودا الى التعثر المستمر في اطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة واصلاح اوضاع شركة الخطوط الكويتية وحسم مصيرها وإطفاء خسائرها، فضلا عن وقف التوسع في نفقات الميزانية العامة للدولة، التي تسعى وزارة المالية للسيطرة عليها منذ نحو 4 سنوات بلا قدرة على ضبطها... كأمثلة نجاح في هذه الملفات، دون شك، ستعطي دعما مجتمعيا عاليا لأي مشروع أكبر، إضافة إلى أنها ستقدم ممارسة مهنية للادارة العامة في معالجة أي انحرافات او تحديات تواجه "الحرير - الجزر".

هامش الأرقام

الأهم أن تكون البيانات المستهدفة او التطلعات المستقبلية للمشروع موحدة أمام الرأي العام، او تحتوي اختلافات معقولة، وليست قياسية مثل مستهدفات فرص العمل بين البيان الحكومي الرسمي 200 ألف فرصة عمل واستعراض فريق "درر" للمشروع نفسه عند 408 آلاف فرصة عمل، فضلاً عن الناتج المحلي الإجمالي للمشروع، بما يوازي 35 مليار دولار "البيان الحكومي"، و67 مليار دينار "فريق درر"، فالهامش الواسع في الأرقام والمستهدفات يقلل من قناعة ودعم المجتمع وجاذبية الفكرة لدى الرأي العام، وأيضا لدى الشريحة المستهدفة من مستثمرين ومؤسسات دولية.

العراق وإيران

دون أدنى شك، فإن موقع الكويت الجغرافي بامتيازه التجاري واللوجستي يواجه تحديات أمنية وجيوسياسية عالية، ولعل التعويل الكبير من جانب المشروع على العراق وإيران كمحطة انطلاق يمكن أن يتناسب مع الدول المستقرة او تلك التي لدى قيادتها رغبة حقيقية في التنمية والتعاون الاقتصادي، غير ان العراق (وهو البوابة الأولى لأي عمليات تجارية وتصديرية) يمثل نموذجاً للدولة شبه الفاشلة، في أفضل الاحوال، إذ تختلط فيها اعمال الحكومة الرسمية بالمليشيات غير النظامية، ويبلغ الناتج القومي للاقتصاد العراقي نحو 170 مليار دولار، يقابله ثلثا هذا المبلغ على شكل ديون سيادية، ويحتل العراق المرتبة الـ166 من أصل 176 دولة، بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية. أما على مستوى سهولة ممارسة الأعمال، فإن التصنيف الذي حصل عليه العراق هو المرتبة 161 عالميا، وفي مؤشر السلام الذي يرصد مستوى الأمان جاء العراق في ذيل القائمة (161 من أصل 163)، وهذه كلها بيانات غير مبشرة لانطلاق مشروع اقتصادي قوي.

أما إيران فحالها افضل، ولكن ليس بكثير من العراق، اذ يكفي ان العقوبات الدولية في شقها التجاري على ايران ستقلل من جاذبية دخول الشركات العالمية الى مشروع الحرير - الجزر، لأن التشدد الدولي مع طهران يصل حتى إلى العمليات التجارية غير المباشرة، فضلاً عن المصاعب الاقتصادية الاخرى المتمثلة في التراجع الحاد للريال الايراني.

وتحتل ايران المرتبة 131 عالميا، بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، إضافة إلى احتلالها المرتبة 124 عالميا في مؤشر سهولة الاعمال.

إن التحفظ على اتخاذ إيران والعراق كبوابة لمشروع الجزر والحرير ليس، بالطبع، دعوة للقطيعة، بل دعوة لعدم المبالغة في التعويل على دول لديها من الأزمات العميقة اكثر مما لدينا من مشكلات.

رهانان

مشروع الحرير - الجزر يمثل رهانين متناقضين: يمكن أن يكون انطلاقة حقيقية لخلق اقتصاد مساند يدعم موارد الدولة ويزيد من تنافسيتها، إذا تم تنفيذه برؤية واضحة بسياسات ناجحة، ويمكن ايضا ان يكون نموذجا للفشل يضاف للنماذج السابقة التي كانت فكرة عالية الطموح، فوأدها سوء السياسات التنفيذية.

الأرقام غير واضحة فالبيان الحكومي استهدف 200 ألف فرصة عمل وفريق «درر» حدد 408 آلاف!
back to top