The Rider... حكاية مؤثرة عن الخسارة والتعافي

نشر في 25-04-2018
آخر تحديث 25-04-2018 | 00:08
برايدي جاندرو بدور برايدي بلاكبرن في الفيلم
برايدي جاندرو بدور برايدي بلاكبرن في الفيلم
يطرح فيلم The Rider (الفارس) جوانب عاطفية مدهشة وقصة مؤثرة عن شاب يسعى إلى تحقيق ما يعتبره رسالته في الحياة. يبدو العمل أقرب إلى تجربة روحية غير مسبوقة في أي فيلم آخر هذه السنة.
انطلاقاً من قصة بسيطة عن صراع شخصي، تقدّم المخرجة كلوي تشاو حياة صعبة وغير مألوفة وصورة واقعية عن رجولة تمرّ بأزمة معقدة، في The Rider.

يعجّ فيلمها أيضاً بمظاهر أفلام الويسترن المعاصرة، فيبدو شبيهاً بأنشودة جميلة تتمثّل بالسهول الشاسعة ومشاهد غروب الشمس المهيبة وصورة شبّان مفتولي العضلات يمتطون الخيول.

تشاو التي وُلدت في الصين وأصبحت مخرجة مستقلة في الولايات المتحدة، لا تهتم بتقديم أسطورة راعي البقر الأميركي التقليدي وفق تركيبة هوليوود المتألقة، بل تخترق عمق الشخصية وتكشف تناقضاتها.

تأخذ تشاو المشاهدين إلى عالم الأراضي الوعرة المعرّضة للرياح والمنازل المتنقلة حيث يرتدي شبّان بلدة «لاكوتا» سراويل جلدية وقبعات واسعة ويحلمون بالنجومية في مسابقات رعاة البقر. في هذا المجال بالذات، يتشابه رعاة البقر والهنود بشكل لافت.

كان جاندرو واحداً من مجموعة رعاة بقر قابلتهم تشاو في «لاكوتا» حين كانت تصوّر أول فيلم لها بميزانية منخفضة، بعنوانSongs My Brothers Taught Me (أغاني علّمني إياها أشقائي)، في عام 2015.

تحطّم الأحلام

في أبريل 2016، تحطمت أحلام جاندرو الذي كان مشاركاً دائماً في مسابقات «برونكو» ونجماً محلياً في مسابقات رعاة البقر، حين وقع عن حصانه وتعرّض لإصابة حادة في جمجمته. فعاد إلى دياره وهو يضع رقاقة فولاذية على رأسه ويظهر جرح عميق على فروة رأسه، وكان الطبيب أنذره بأن أيام ركوب الخيل انتهت بالنسبة إليه.

بعد فترة قصيرة، بدأت تشاو تُصوّره مع أصدقائه وعائلته وراحت تنسج تدريجاً قصة خيالية بدرجة بسيطة عن برايدي بلاكبرن وتعافيه الجسدي والعاطفي الصعب. تتعلق إحدى أفكار الفيلم الضمنية بالعلاقة الغامضة التي تنشأ بين البشر والأحصنة: لا تقتصر هذه الفكرة على التقارب الطبيعي بينهم بل تتطرق أيضاً إلى نقاط التشابه على مستوى الطباع. يجسّد برايدي دور شاب عنيد لا ينوي الإصغاء إلى أطبائه والتخلي عن أحلامه المتعلقة بمسابقات رعاة البقر.

بدل أن يرتاح كما أمره الأطباء، يمضي أطول وقت ممكن مع حصانه «غاس». فيُدرّب بلا كلل أحصنة أخرى في المنطقة لكن تزيد صعوبة المهمة بسبب النوبات الجزئية المعقدة التي تصيبه من وقت إلى آخر، ما يجعل يده اليمنى تتصلب بطريقة خارجة عن السيطرة. قد لا يكون متهوراً بما يكفي كي يعاود امتطاء الأحصنة فوراً لكنه يؤكد لكل من يقابله أن غيابه عن مسابقات رعاة البقر سيكون مؤقتاً حتماً.

لكن لا ينخدع أقرب الناس إليه بكلامه بسهولة، علماً بأن شخصيات حقيقية من أقربائه مثّلت أدوارها في الفيلم. يتمكن برايدي من التعبير عن نفسه إزاء شقيقته ليلي (ليلي جاندرو) التي تبلغ 15 عاماً وتساعده على التعافي عن طريق الأغاني والتشجيع والكلام التفاؤلي. هي مصابة بمتلازمة أسبرجر، لذا تُعتبر علاقة الأخوين المبنية على الحماية المتبادلة أحد أبرز الجوانب الممتعة والمؤثرة في الفيلم.

كذلك، يزور برايدي أحد أفضل أصدقائه، لاين سكوت، راكب ثور سابق أصبح مشلولاً وعاجزاً عن النطق بعد حادث تعرّض له، لكنه يحافظ على تفاؤله ويشجّع صديقه على التمسك بأحلامه. تعرض تشاو هذه المشاهد بسلاسة ملحوظة ولا تركز على إعاقات الممثلين أو تُصوّرهم بطريقة تثير الشفقة.

يرتبط برايدي بعلاقة أصعب مع والده المدمن على الكحول والمقامرة، واين بلاكبرن (تيم جاندرو)، الذي ينظر إلى ابنه بخليط معقّد من الفوقية وخيبة الأمل ومودّة غريبة وعابرة. يمكن أن يقرأ المشاهدون تاريخاً كاملاً عن القلق الذكوري السائد بين مختلف الأجيال عن طريق العلاقة المتوترة بين الأب وابنه، علماً بأن أحداً منهما لا يجسد دوره الحقيقي في هذا المجال. يعكس تيم جاندرو تحديداً كاريزما نجوم السينما الماكرين من أمثال بو بريدجز في شبابه.

نقل هذه الموهبة إلى ابنه الذي يتّسم بكلامه السلس ويتماشى مع دور راعي البقر الوسيم وقليل الكلام، لكنه يتحرر منه في الوقت نفسه. يبدو برايدي جاندرو جذاباً بشكل استثنائي إزاء الكاميرا. ربما يطرح الفيلم قصته لكنّ أداء الدور وسرد القصة تحدّيان مختلفان. يقلّ عدد الممثلين المدرَّبين الذين يستطيعون التعبير عن عواطفهم بنظرة بسيطة نحو الأسفل كما يفعل هو.

هل يمثّل جاندرو أم يستعرض شخصيته بكل بساطة؟ ربما يبرز خيار ثالث في ذلك العالم الغامض الذي يكمن فيه الفن.

طريق الألم

يحاول برايدي أن يمضي قدماً، فيحصل على وظيفة في متجر كبير ويكاد يتخلى عن سرجه المحبوب. لكنه لا يستطيع أن يتجنب كلمات التشجيع (الكلمات سهلة لكنّ سماعها أصعب!) من جميع المحيطين به: من معجب شاب، أو من أصدقاء العمر الذين يجتمع معهم حول نار المخيم خلال ليلة صاخبة تفيض بالكلام السخيف وموسيقى الغيتار. ذكّره أحد رفاقه قائلاً: «نتقدم عن طريق الألم»... وكأن الأخير كان المشكلة الأساسية!

ماذا ستفعل حين يتحطّم الحلم الوحيد في حياتك؟ كانت تشاو حكيمة بما يكفي لتمتنع عن تقديم أجوبة سهلة. تعكس مشاهدها شكلاً منعشاً من التحرر يشعر به المشاركون في مسابقات رعاة البقر على الأرجح. لكنها تنقل أيضاً الخيارات المحدودة التي يحصل عليها كل من ينشأ في هذا المجتمع الذي يبدو هشاً لكنه يخضع لرقابة مشددة ويشمل تقاليد تحوّلت منذ فترة طويلة إلى طقوس ثابتة. حتى البراري اللامتناهية تبدو في بعض اللحظات خانقة.

صراع الإنسان وحدود جسمه

ربما يتعلق فيلم The Rider بمحاولة ركوب ذلك الحصان مجدداً، لكنه يحمل معنى مجازياً أكثر سلاسة وصدقاً في الوقت نفسه. سنشاهد برايدي وهو يستعمل مراراً وتكراراً يده اليسرى لمساعدة يده اليمنى، فيفتح بشكل متكرر أصابعه المشدودة والمتشنّجة، واحدة تلو الأخرى. إنها صورة مؤثرة عن صراع الإنسان وحدود جسمه والتعويضات الروحية أيضاً.

يتحرر الفيلم من الأفكار المعتادة ويتعمق في موضوعه لدرجة أنه يصبح مؤلماً بقدر ما تتطلّبه القصة.

الفيلم يعجّ بمظاهر أفلام الويسترن المعاصرة
back to top