أصدقائي يا وطن

نشر في 24-04-2018
آخر تحديث 24-04-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري كانت زيارتي الحالية للكويت تختلف عن سابقاتها، والتي اعتدت أن أرتبها لتتوافق مع معرض الكتاب ولقاء أكبر عدد من الأصدقاء والزملاء والكُتاب، زيارة لم أستطع، لظروفي الخاصة، ترتيبها مع موعد معرض العام الفائت، لكنها الزيارة الأجمل والأكثر إثراء والأقرب إلى القلب من جميع زياراتي السابقة.

ما فعله الأصدقاء في هذه الزيارة كان عملا خارقا بكل المقاييس. لم يكن بالإمكان أن نتماسك، وسط هذا الشعور الكبير الذي أضفوه بكلماتهم التي ألقوها في مناسبة تكريمي والاحتفاء بي، بعيدا عن المؤسسة الرسمية وصلافتها وجفافها في احتفالات كهذه. كان احتفاء ملؤه الحب، وفاضت فيه مشاعر الوفاء من منظمي الحفل ومن الحاضرين.

أجمل ما كان في تلك الأمسية، التي تم ترتيبها بشكل منظم، هو جمهورها، الذي رأيت في عينيه دموعا صادقة، بعد أداء الفنان الزميل ناصر كرماني لمشهد تمثيلي تناول فيه الحديث عن أبطال وشخصيات من أعمالي الروائية. كان أداء مؤثرا وبليغا وارتجاليا متماسكا بصوت متهدج شابه الكثير من الأسى الذي نعرف أسبابه. لم يكن الجمهور بعيدا عني، وكنت أعرفهم جيدا تقريبا، ورأيت الحب الكبير في وجدانهم، قبل أن أراه في أعينهم. هذا الجمهور الذي كنت أعوِّل عليه وعلى رصيدي الكبير من حبه الأكبر.

كلمات أصدقائي كانت مفعمة بالحب والوفاء والتقدير، الذي أتمنى فعلا أن أكون أستحقه ويستحقه العمل البسيط الذي قدمته. قدم الزملاء بجهد وتعب، إضافة لتجربة كرماني، فيلما قصيرا تناول بعض السيرة وكلمات لسعدية مفرح، التي أشرفت على هذا التكريم، والروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، الذي اهتم بعملي منذ بداياتي قبل ثلاثين سنة، والناقد الصديق عبدالرحمن حلاق، وهو أحد الكُتاب الذين تناولوا جميع أعمالي تقريبا بالنقد والتحليل، وعبدالوهاب سليمان، صديق السنوات الجميلة التي صاحبت كتابة "ثلاثية الجهراء".

كانت المفاجأة التي لم أتوقعها، وكل الفعالية كانت مفاجأة لم أعلم عنها إلا في الأيام الأخيرة التي سبقتها، هي إصدار كتاب أنيق عن دار مسعى تضمَّن مجموعة من المقالات النقدية لنقاد من الكويت والعالم العربي، وتم توزيعه مجانا على الحضور والقراء. كانت مساهمات الزملاء في الكتاب هي ما يطمح إليه النص وصاحب النص.

هذه الزيارة الحافلة، والتي مضت سريعا، تركت في داخلي أثرا جميلا. هؤلاء الأصدقاء هم وطني الحقيقي الذي خسرته في هجرتي. هؤلاء الأصدقاء الذين احتوتني أرواحهم، وأحاطت بي قلوبهم، هم ما أعود إليه كل عام، وهم من أرى في أعينهم صورة الوطن وتفاصيله. مضت الأيام الثلاثون سريعا بين أصدقائي في حروف ومكتبة صوفيا والقائمين عليها وبين نادي المعاني للقراءة في مكتبة ميوزلونغ وهم يناقشون رواية "الصهد"، وبين لقاءات إذاعية وصحافية، سواء بالكويت، أو في مسقط.

هذه الحفاوة لا أجد لها كلمات تفيها حقها، لا أجد ما يمكن أن أعبِّر به عن امتناني وسعادتي لكل ما فعله هؤلاء الأصدقاء في ليلة هي الأهم في حياتي. لا أجد سوى كلمة شكرا للجميع، وللجهد الكبير لزميلتي سعدية مفرح، وصديقي عبدالله البصيص، وبقية الإخوة، وشكرا كبيرة لرابطة الأدباء، التي وفرت مقرها لإقامة الاحتفال. شكرا لهذا الحب الصادق في زمن أصبح الحب والوفاء فيه نادرين جدا.

back to top