مكافحة معاداة السامية تستلزم حماية حرية التعبير

نشر في 22-04-2018
آخر تحديث 22-04-2018 | 00:12
حتى الآن فشلت التحديات القانونية الرسمية ضد منتقدي الإسلام، لأن المحاكم والمنابر القضائية الفرنسية لم تنخدع باتهامات العنصرية الباطلة، لكن استراتيجية التخويف من الممكن دوما أن تسجل نصرا في المستقبل.
 بروجيكت سنديكيت لم يكن من المستغرب أن يكون صعود الشعبوية في مختلف أنحاء الغرب مصحوبا بموجة متصاعدة من معاداة السامية، ففي المملكة المتحدة يواجه حزب العمال اتهامات بأن زعيمه جيريمي كوربين يتسامح مع تعليقات معادية للسامية بين أنصاره من اليسار المتشدد، وفي المجر كان أحد المكونات الأساسية في حملة رئيس الوزراء الذي أعيد انتخابه مؤخرا فيكتور أوربان ذلك الهجوم المموه المعادي للسامية ضد رجل الخير جورج سوروس.

وفي فرنسا تأتي معاداة السامية من اتجاهين: الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة وشرائح بعينها من الجالية المسلمة الكبيرة في البلاد، والواقع أن الوسائل التي تكافح بها فرنسا الفورات المعادية للسامية ربما تصلح كنموذج مفيد تقتدي به دول أخرى.

بادئ ذي بدء يستند العقد الاجتماعي الفرنسي إلى التعايش السلمي بين الديانات المختلفة، التي لا يجوز للدولة أن ترعى أيا منها، وفي الوقت نفسه يأتي حكم القانون بالضرورة في الصدارة قبل أي قاعدة أو وصية دينية.

وعلى هذا، فبصرف النظر عن وجود أئمة يوصون بختان الإناث أو يتسامحون معه، على سبيل المثال، فإن الطقس المتمثل باستئصال أعضاء الفتيات التناسلية يُعَد جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة قد تصل إلى عشرين عاما. وعلى نحو مماثل تعدد الزوجات غير قانوني في فرنسا، ولهذا فحتى إذا أتى مهاجر من بلد يسمح بمثل هذه الممارسات، فإن المحاكم الفرنسية لن تعترف بزواجه بأكثر من زوجة واحدة، ولن تعترف أيضا بأي طعن في المساواة بين الجنسين، حتى إن كان قائما على معتقدات دينية.

يقضي النظام الدستوري القائم على العلمانية في فرنسا بأن يقتصر الدين على المجال الشخصي والخاص، وعلى سبيل الاستعارة من الشاعر الفرنسي لويس أراجون، نستطيع أن نقول إن هذا يضمن الاحترام المتبادل بين أولئك الذين يؤمنون بالآخرة ومن لا يؤمنون بها، وبالتالي يتجنب المعلمون في العديد من المدارس الفرنسية ذِكر الدين كلما أمكن ذلك.

وقد ضمنت هذه المبادئ الأساسية التعايش الديني السلمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على الرغم من صدمة سنوات الحرب والتدفق الضخم من المسلمين في أعقاب الحرب الجزائرية، ومن المحزن أن هذه المبادئ تتعرض الآن للتهديد، ليس من قِبَل الجبهة الوطنية وغيرها من الحركات الشعبوية (التي لوحِق قادتها قضائيا بسبب أفكار معادية للسامية وإنكار الهولوكوست)، بل بسبب النفوذ المتنامي للتفسيرات المتطرفة والمتشددة للإسلام، وبوسعنا أن نستشعر هذا التأثير ليس في مجتمعات بعينها فقط، بل أيضا في مختلف أرجاء المجتمع السياسي والمدني الفرنسي، وذلك نظرا لصعود المنظمات المناصرة والناشطة ذات الأصول ومصادر التمويل الغامضة، والتي يروج بعضها لإقامة الشريعة الإسلامية.

من منظور أولئك الذين يمارسون هذا النفوذ يتخلص الهدف في خلق ثقافة الضحية بين الشباب الفرنسيين الذين ينتمون إلى أصول عربية، على أمل دفعهم إلى اعتناق القضية الفلسطينية، وفي الحالات الأشد تطرفا، الانتقام من الإسرائيليين أو اليهود في فرنسا، ولا عجب إذاً أن تتزايد أحداث معاداة السامية في فرنسا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التصريح بأن معاداة الصهيونية "شكل مجدد من أشكال معاداة السامية".

كانت ميراي نول أحدث ضحايا معاداة السامية، وهي إحدى الناجيات من الهولوكوست وكان عمرها 85 عاما، قُتِلَت ميراي نول في الثالث والعشرين من مارس على يد جار شاب كثيرا ما رحبت به في بيتها، وبحسب تصريحات المحققين الفرنسيين، كان الرجل يصرخ "الله أكبر" وهو يقتلها بوحشية.

بعد وقوع جريمة القتل، خرج الآلاف إلى شوارع باريس حدادا عليها وتعبيرا عن غضبهم، وفي نظر أغلب من شاركوا في المسيرة، كان ذلك الحدث بمثابة تذكرة بهجوم عام 2012 على المدرسة اليهودية في تولوز، ومذابح 2015 التي وقعت في مكتب الصحيفة الساخرة شارلي إيبدو وفي محل بقالة للطعام المباح في الشريعة اليهودية، والعديد من الحوادث المماثلة.

من ناحية أخرى أطلق أولئك الذين يسعون إلى تأجيج حالة الغضب حملة ترهيب ضد كل من يجرؤ على تحديد مصادر معاداة السامية اليوم، ولنتأمل هنا حالة جورج بنسوسان، وهو مؤرخ يحظى بقدر كبير من التقدير والاحترام ومؤلف كتاب "اليهود في الدول العربية" عام 2012. وفي ظهور إذاعي له في عام 2015 أشار بنسوسان إلى استطلاع رأي أجري في عام 2014 وجد أن المسلمين الفرنسيين أكثر ميلا بنحو مرتين إلى ثلاث مرات من الفرنسيين بشكل عام إلى تبني مشاعر معادية لليهود، وخمن أنهم تعلموا مثل هذه الآراء في بيوتهم.

بعد فترة وجيزة، قام المنتمون إلى "جماعة ضد الخوف من الإسلام" في فرنسا و"التحالف الدولي ضد العنصرية ومعاداة السامية" برفع دعاوى قضائية منفصلة ضد بنسوسان، متهمين إياه بالتحريض على الكراهية العنصرية، وقد أبرئ بنسوسان من أي مخالفة جنائية في مارس 2017، لكن المسألة برمتها كانت تذكره بمقاضاة رسامي الكاريكاتير من شارلي إيبدو في عام 2007 بسبب تصويرهم للنبي محمد، وفي هذه الحالات وغيرها وجد المثقفون والفنانون الذين طالما قاتلوا ضد العنصرية أنفسهم متهمين بممارستها.

حتى الآن فشلت التحديات القانونية الرسمية ضد منتقدي الإسلام، لأن المحاكم والمنابر القضائية الفرنسية لم تنخدع باتهامات العنصرية الباطلة، لكن استراتيجية التخويف من الممكن دوما أن تسجل نصرا في المستقبل، ولضمان عدم إسكات أي صوت ظلما وجورا، يتعين على المؤسسات الديمقراطية الفرنسية أن تستمر في الدفاع عن حرية التعبير، الأصل الأعظم قيمة بين حقوق الإنسان، والأكثر أهمية للتغلب على الكراهية بكل مظاهرها المتعددة.

* عضوة المجلس الدستوري ومجلس الدولة في فرنسا سابقا، ووزيرة شؤون أوروبا سابقا.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

الوسائل التي تكافح بها فرنسا الفورات المعادية للسامية ربما تصلح كنموذج مفيد تقتدي به دول أخرى
back to top