الفيل المدمر!

نشر في 14-04-2018
آخر تحديث 14-04-2018 | 00:30
 د.نجم عبدالكريم • في زمنٍ ركدت فيه العقول، واستولى على الناس الخمول، وإذا بالدنيا قد تسربلت، وبالتفاهات تعلقت، وإذا باللصوص قد تمكنوا، وعلى المدينة سيطروا وهيمنوا، فشاع فيهم جنون العظمة، بعد أن تولوا هؤلاء الظلمة، فصارت أنوفهم شامخة، وأقدامهم في الظلم راسخة، وينظرون إلى الناس بازدراء، ويعاملون البشر باستهزاء، فشاع في المدينة الجور والاستكبار، وأصاب الناس البسطاء الدمار!

***

• انطلق في المدينة فيلٌ ضخم الجثة، عظيم الهيكل، طويل الناب، طويل الخرطوم، بطِر... خطِر... أشِر، يدوس كل شيء أمامه، ويهلك الحرث والنسل... فيلٌ أزعج المدينة وسكانها... أخاف الأطفال... أفزع النساء... أرعب الشباب... أقض مضاجع الشيوخ... وهذا الفيل ينفذ قوانين تعاليم لصوص المدينة!

***

• وذات يوم تجمع أهل المدينة وقالوا:

- لم لا نذهب إلى سيدنا العرّاب، ونحدثه عن فيله الطليق، الذي عاث في الأرض فساداً، وأهلك الحرث والنسل، وحطم، وهدم، وهشم، فصارت حياتنا بوجوده لا تُطاق، أرعب الأطفال، كسّر الأواني، هشّم الزجاج، وعبث بمقدراتنا حتى صرنا نغلق أبواب بيوتنا فزعين مرعوبين؟!

وقرروا أن كل ما سيطلبونه من العراب أن يضع فيله في حظيرة خاصة، أو في قفص.

• وعندما دخلوا إلى أحد القصور الخرافية، شاهدوا الحراس المدججين بالسلاح، كما رأوا الفيل بنفسه يقف خلف العراب، ويداعب خرطومه، ولما رآهم صرخ بعنجهية:

- من أنتم؟!

فأصابتهم الدهشة، ودبّ في أوصالهم الرعب، فلم ينطقوا بكلمة واحدة، بل ظلوا واقفين متسمرين، ينظر بعض إلى البعض، بعد أن اعتراهم الهلع والوهن، فصاح فيهم ثانية:

- ماذا تريدون؟

فتشجع أحدهم وقال مرتجفاً:

- يا سيدي، يا عرابنا الكبير، إن المدينة بفضلكم آمنة، مطمئنة، هادئة، ونحن جئنا كي نعبر لكم عن سعادتنا بهذا الفيل الجميل.

- فهذا سبب مجيئكم إذاً؟

- والسبب الآخر من تجرؤنا يا سيدنا العراب بالقدوم والمثول بين يديكم هو أن تقبل رجاءنا، وتلبي طلبنا في أن تجعل هذا الفيل الجميل يتزوج بفيلة، حتى تزداد سعادتنا أكثر فأكثر بأنجالهما!

***

• وهكذا فقد انتشر في المدينة عدد كبير من الأفيال، بعد أن تناسلت وتكاثرت، حتى غدت حياة المواطنين أقرب إلى الجحيم منها إلى الدنيا!

لأن الناس قد جَبُنت عن المطالبة بحقها، ففقدت كرامتها، وبعد أن أصبح لا حول لها ولا طول (فحق عليها القول)!​

back to top