بوتين خائف

نشر في 13-04-2018
آخر تحديث 13-04-2018 | 00:04
 ريل كلير لم نقتنع مطلقاً أن عملية طرد الدبلوماسيين الروس المنسقة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية جاءت رداً فحسب على "الاعتداء بالأسلحة الكيماوية" الذي نُفّذ بإيحاء من موسكو في سالزبوري، تلك البلدة الصغيرة في الريف الإنكليزي.

صارت وقائع تلك القضية معروفة جيداً اليوم، فشكّلت محاولة قتل فردية استهدفت سيرغي سكريبال، الجاسوس الروسي الذي بدّل ولاءه، أما ابنته فكانت ضحية غير مقصودة، ويمكننا تشبيه هذه العملية باغتيال أخ كيم يونغ أون غير الشقيق في ماليزيا في شهر فبراير عام 2017، أما اعتبار تيريزا ماي أن هذا "انتهاك للسيادة الوطنية البريطانية" فخطاب مبالغ فيه قليلاً.

لا شك أن الاعتداءات التي أمرت موسكو بتنفيذها، كهذا الاعتداء أو تسميم الجاسوس الروسي السابق ألكساندر ليتفينينكو وقتله في بريطانيا عام 2006 أو قتل عدد من أثرياء الطبقة الحاكمة الروسية المقيمين في لندن نتيجة خلافهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مختلفة تماماً، فتشكّل هذه عمليات عقاب فردية لمعارضة بوتين، فضلاً عن أنها تحذّر مَن قد ينقلبون ضده بأنهم لا يستطيعون الهرب من قبضته، أما عمليتا قتل آنا بوليتكوفسكايا عام 2006 وزعيم المعارضة الجريء بوريس نيمتسوف عام 2015 فمثلتا بكل بساطة عمليتَي اغتيال لخصمين سياسيين في الداخل.

تشارك 30 دولة تقريباً في الحركة الدبلوماسية ضد روسيا، وتشمل هذه 18 حكومة في الاتحاد الأوروبي تدعم المملكة المتحدة، فضلاً عن الولايات المتحدة وكندا، وانضمت إليها لائحة مذهلة من الحكومات من خارج الاتحاد الأوروبي والشراكة عبر الأطلسي.

علاوة على ذلك حشد حلف شمال الأطلسي (الناتو) 4600 جندي لنشرهم في بولندا ودول البلطيق قبالة الحدود الروسية مباشرةً، كذلك باتت قوة رأس حربة تابعة للناتو تتألف من خمسة آلاف جندي جاهزة اليوم لتعزز عملية نشر جنود إضافيين في غضون أسبوع، وتخشى حكومات دول البلطيق أي خطوات قد تُقدِم عليها روسيا لتتدخل عسكرياً داخل أراضيها أو على الأقل لتضعف تصميم الناتو على الدفاع عنها.

تقضي الخطة الأميركية بأن يحظى الناتو بثلاثين كتيبة، ويعني هذا امتلاكه 30 ألف جندي، و30 سرباً مقاتلاً، و30 سفينة حربية جاهزة للانتشار في غضون ثلاثين يوماً، وتشكّل هذه دلالة على تعزيز الولايات المتحدة التزامها بهذا التحالف.

تبدو موسكو مترددة اليوم بعدما أخذتها شدة الغرب المفاجئة على حين غرة، لذلك عمدت إلى طرد دبلوماسيين غربيين وأقفلت القنصلية الأميركية في سانت بطرسبرغ، لكن الواقع يبقى أن روسيا، تلك الدولة المنبوذة، تواجه نحو 30 دولة.

تنقلب الطاولة اليوم على موسكو، فقد أرهب بوتين الغرب بضع سنوات، فانتزع القرم بالقوة، وأشعل وغذى حرباً انفصالية في منطقة دونيتس جنوب شرق أوكرانيا، وتدخل بحزم في الحروب السورية مع تراجع أوباما.

لا تزال روسيا تحتفظ بالقرم، إلا أنها دخلت حالة من الجمود في منطقة دونيتس، وتحقق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وغيرها من السياسات العدائية النتائج المرجوة منها، أما في سورية فتتمتع إيران بنفوذ عسكري وسياسي يضاهي على الأقل ما تحظى به موسكو.

تتطابق نتيجة مناورات بوتين مع ما تتوقعه النظريات الاستراتيجية، وتعمد قوة عظمى عدائية إلى ترهيب قوى أصغر أو تؤدي باستفزازاتها إلى تشكّل ائتلاف ضدها، والأمر عينه نشهده في آسيا، حيث تقود استفزازات الصين إلى تحالف اليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام ضدها، ولكن في كلتا الحالتين تبقى الولايات المتحدة ركيزة تحالف الدول الأصغر، ولا شك أن اعتبار القيادة الأميركية ضمانة جيواستراتيجية في وجه الصين وروسيا يخدم المصالحة الوطنية الأميركية.

إذاً، يتعرض بوتين، الذي طمح أن يكون الأكبر، للذل على المسرح الدولي وتحول إلى منبوذ، وهكذا ما عاد أحد خائفاً إلا بوتين نفسه، ويبدو أنه على الصعيد الشخصي مخيف، فهو يحمل الحزام الأسود في لعبة الجودو، ولكن حتى بطل لعبة الجودو يدرك متى عليه التراجع عندما يفوقه خصمه قوةً.

يخسر بوتين المبادرة، ونفدت منه المعارك التي يستطيع خوضها من دون مواجهة العقاب، فالدول الغربية، بما فيها إدارة ترامب، تتصدى له بقوة، ولا شك أن كل هذا مشجّع.

* رونالد تيرسكي

* «ريل كلير ورلد»

back to top