نعمة أم نقمة؟

نشر في 13-04-2018
آخر تحديث 13-04-2018 | 00:06
 دانة الراشد هل النفط نعمة أم نقمة؟ كيف حوّل هذا المصدر الثمين حياتنا رأساً على عقب خلال مئة سنة فحسب من اكتشافه؟ هبةٌ من السماء- أو بالأحرى من باطن الأرض- انبثقت لتقع بين يدي إنسان الصحراء البسيط، فأصيب محيطه بمتلازمة التمدن السريع– ربما أسرع من أن يدركه ويتعايش معه بسلام، فها هي ألسنة الإسفلت تمتد لتلتهم الأخضر واليابس، وها هي صناديق الإسمنت الخانقة تجبر الكائنات الأخرى على النزوح القسري وتقليص أعدادها.

وها هي السيارات تنتشر ويسهل استخدامها بفضل ذلك السائل الأسود، فاستحالت زرقة السماء سواداً شاحباً بفضل عوادم السيارات وأدخنة المصانع، وقد أتى النفط بنا أيضاً بالصناعات البلاستيكية بمختلف أشكالها، في البداية ظننّا وجودها رائعاً، لكن سرعان ما أصبحت الأرض عليلة وأصيبت الكائنات البرية والبحرية بالتخمة البلاستيكية.

قد يظن بعضنا في غروره أن موت الطبيعة وانقراض المخلوقات لا يمسنا بشكل مباشر، لكنه خطأ فادح ندفع ثمنه كل يوم على هيئة أمراض وكوارث طبيعية قد تنهي وجودنا. أيقنت دول العالم المتقدم مدى خطورة الاعتماد على النفط، فأتت بالحلول الخضراء المستدامة، وما هي إلا بضعة عقود حتى يستغني العالم تماماً عن النفط، فماذا سنفعل حينها؟

هذه البيئة تئن، فماذا عن حال الإنسان الكويتي بعد الثورة النفطية؟

أدى ظهور هذه الثروة المفاجئة إلى العديد من الإيجابيات وتسهيل الحياة، وأدى الرخاء المادي إلى قيام المؤسسات النظامية الحديثة كالتعليم والصحة والمسكن والسير بنا نحو التقدم، لكنه يبقى تمدناً كاذباً في الكثير من أوجهه،

فالدول المتمدنة بحق كانت ثروتها نتاج قرون طويلة من العمل الجاد والإبداع في شتى المجالات كالعلوم والفنون والآداب والصناعة، يأتي ذلك مقابل غياب الثقافة الإنتاجية هنا والاكتفاء بدورنا كسوق استهلاكي لتلك الدول، وأدت سياسة دولة الرفاهية إلى خمول الفرد وكسله، وتم تعمد إتخامه بالثقافة الاستهلاكية والتفاهات كي يسهل تدجينه والتحكم فيه.

تحققت مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية كنتيجة طبيعية في الدول المتقدمة، في حين مازلنا نصارع لتطبيقها، وذلك بسبب استمرار سيادة الأنظمة القبلية والطائفية العنصرية، والتي كانت في السابق وسيلة للبقاء وسط شح الموارد الطبيعية، أيضاً فقد انتشرت ثقافة القمع والتحريم كردة فعل على كل هذه التغييرات الفائقة السرعة، والتي حدثت دون نشر الوعي والمعرفة الكافيين.

أما الأثر الأسوأ فهو طمع الكبير قبل الصغير بهذه الخيرات، وانتشار الفساد والاختلاسات المليونية في وضح النهار، وأصبحت أنظمتنا في تردٍّ بدلاً من تسخير هذه الثروات نحو التقدم.

والآن نطرح السؤال مجدداً: هل النفط نعمة أم نقمة؟ أنتم من يحدد ذلك!

● «أصل كل الشرور الفائض في السلطة والفائض في المال». (لينين).

back to top