شيعة الولايات المتحدة والمرجعية (4)

نشر في 05-04-2018
آخر تحديث 05-04-2018 | 00:15
 خليل علي حيدر وجد شباب الشيعة وطلابهم المقيمون والدارسون في الولايات المتحدة، من لبنانيين وعراقيين وخليجيين، في بعض فتاوى المرجع الديني اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، كما وجد بقية الإسلاميين السنّة في بعض شيوخهم ومنظري حركاتهم، طوق نجاة وسط "الفتاوى القديمة" غير المناسبة للتحرك في مجتمع غربي مسيحي وحرية إعلامية واسعة؛ مما سهل للطرفين الشيعي والسني هناك، توسيع عضوية الحركات والجماعات، وتلميع فكرهم السياسي والديني، بل ضم بعض الأوروبيين والأميركيين "البيض والسود" إلى هذه الجماعات، في ظل هذه "الفتاوى المستنيرة" والميسرة، وبخاصة ما يتعلق من هذه الفتاوى بالحريات وحقوق غير المسلمين وشؤون المرأة والمسائل العلمية... إلخ.

ولم تقف فتاوى السيد فضل الله عند تجديد النظر في الفتاوى والممارسة التي أشرنا إليها في مقالات سابقة حول موقف الفقه الشيعي من نجاسة غير المسلم جسديا، وبخاصة اليهودي والمسيحي، وتحريم الملامسة والأكواب والأواني والمناشف التي يستعملها غير المسلم، وقد اعتبر الفقه الجديد كل ذلك التشدد وكذلك النجاسة البدنية في حكم الماضي، ما عدا ربما أتباع أديان أخرى كالبوذية والهندوسية، كما هي الحال مع مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي في حكمه بنجاسة البهائيين، وربما تلغى حتى هذه الفتوى في مراحل قادمة.

ولكن ما زاد من شعبية السيد فضل الله في الولايات المتحدة بين الشباب خاصة والتشيع السياسي، دعوته إلى تقليص الفوارق والاختلافات المذهبية، وتبين الباحثة الأميركية "لندا وولبريدج" Walbridge التي تعرض وتلخص دراستها عن المسلمين الشيعة في أميركا وما بين جماعاتهم من اختلافات فقهية، أن السيد فضل الله العامل في مجال التقريب بين السنّة والشيعة، يدعو مثلا إلى أنه "لا يوجد أساس تاريخي للروايات التي تداولتها الأجيال وتديم الخصومات بين السنّة والشيعة، وأحد الأمثلة هو قصة عمر وأبي بكر التي تزعم أنهما دفعا فاطمة وتسببا في إجهاضها وبينما لا يقول فضل الله إن هذه الرواية غير حقيقية، فإنه يترك الباب مفتوحا للشك".

(العرب في أميركا: صراع الغربة والاندماج، تحرير ميخائيل وديع سليمان، مركز دراسات الوحدة العربية، 2003، مجموعة دراسات وأوراق، بيروت، ص94).

وتنقل موسوعة الويكيبيديا عن د.عبدالجبار الرفاعي في كتابه "الرؤية النقدية الإنسانية في تفكير السيد محمد حسين فضل الله"، قوله: "كان هاجس كتابات فضل الله هو الراهن، وما يحفل به الاجتماع الإسلامي- المجتمع الإسلامي- من تناقضات وملابسات ومشكلات، فيسعى الى اكتشافها وتحليلها ونقدها. لم يقع أسير تمجيد السلف والثناء على أخطاء التاريخ والانشغال بتحويل الهزائم الى انتصارات، وتقديس كل ما يتضمنه التراث، وإنما تسلح بمنظور نقدي حجاجي، لا يخشى من مقاربة الموروث والواقع برؤية تحليلية نقدية، والوقوف على ما يكتنفه من ثغرات بكل جرأة، لا يكف السيد فضل الله في محاضراته وخطبه وكتاباته عن النقد والمراجعة".

ويضيف د. الرفاعي "وقد تعلمت منه مثلما تعلم غيري من شباب الحركة الإسلامية وقتئذ التفكير النقدي، والمغامرة في إثارة الاستفهامات، فقد كان مسكونا بالتساؤل، وظل يشدد على ضرورة طرح الأسئلة، ويحث على أن السؤال مفتاح المعرفة. لقد خرجت من السجن المعرفي الأول بمطالعتي لآثاره".

وتلاحظ الباحثة الأميركية أن السيد فضل الله، خلافا لآية الله الخميني الذي دمج العرفان- أي التصوف- في فلسفة التشريع، "يتجنب العرفان، كما يفضل أسلوبا أبسط وأقل إرهاقا في مسائل الشريعة والشعائر". ويود السيد فضل الله كذلك إلغاء مفهوم "الاحتياط"، وهو يشبه مفهوم "سد الذرائع" في فقه أهل السنّة، أي تجنب ما يبدو حلالا أو مشروعا لأنه قد يؤدي إلى ما هو غير جائز أو حرام، فيرى فضل الله ضرورة اتباع نهج أكثر وضوحا ودقة في التعامل مع النصوص، بمعنى اعتماد كل حكم شرعي على نص صريح.

وتلاحظ الباحثة نتيجة هذا الالتزام أن أتباع السيد فضل الله في الغرب، كما تقول، "يشبهون كثيراً الأصوليين السنّة الذين يولون أهمية كبيرة لاتخاذ القرآن أساسا لمعتقداتهم وممارساتهم الدينية، وهم بتأكيدهم القوي على القرآن يقللون من أهمية آراء العلماء المتجمعة طوال قرون، ويميل أتباعه- أتباع السيد فضل الله- إلى أنهم رجال ونساء متعلمون ويتعاملون بجد كبير مع الدين والتربية الدينية، وأنهم لا يترددون في تحدي رأي عالم عندما يختلفون معه سواء أكان العالم شيخ مسجد محلي أم مرجع تقليد". غير أن هذا الموقف تضيف الباحثة، "يقودهم أحيانا إلى نزاع مع إخوتهم في حزب الله".

لقد كانت آراء السيد فضل الله وبعض اجتهاداته الفقهية والتاريخية كما هو معروف موضع خلاف وجدل شديد في بعض الأحيان، وتقول الباحثة "إن الاعتراضات على تعاليم فضل الله هي من مثل قوة الكلمات التي تطلق في إطرائه"، وتضيف أن عالما من عائلة كربلائية ذات نفوذ واسع عبّر عن غضبه بسبب بعض اجتهادات فضل الله، وانتقد مثلا قرار فضل الله "أنه لا يستطيع إيجاد سبب شرعي لحظر ممارسة المرأة للاستمناء". ويشعر هذا العالم الكربلائي "أن لمثل تلك الآراء آثارا مضرة بالمجتمع"، غير أن عضوا في أسرة مرجع تقليد آخر "أبلغني أنه يستطيع فهم جاذبية فضل الله لدى الشيعة القاطنين في الغرب، ويعتقد أن المجتهدين الآخرين ينبغي أن يحذوا حذوه على الأقل إلى حد ما".

أدى السيد حسين فضل الله دورا مهما في المجالات السياسية اللبنانية والفلسطينية وغيرها، وتلخص "موسوعة الويكيبيديا" في الإنترنت بعض هذه المجالات فتقول:

"- كان من أبرز الذين ساهموا في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان إلى جانب السيد موسى الصدر.

- دعم ومول السيد عباس الموسوي (الأمين العام الأسبق لحزب الله) في إنشاء الحوزة العلمية في البقاع.

- خصص قسما من الحقوق والأموال الشرعية التي كانت ترد إلى مكتبه لدعم الحركات المقاومة في لبنان وفلسطين.

- حمل هم القضية الفلسطينية، واعتبرها القضية المركزية التي يجب أن يتوحد المسلمون في سبيل الدفاع عنها.

- ناصر الثورة الإسلامية في إيران في عهد الإمام الخميني وخلفه الإمام الخامنئي.

- دعم الحركات المقاومة في لبنان وخاصة حزب الله حتى كان يوصف بالمرشد الروحي لحزب الله.

- تعرض لمحاولات اغتيال عديدة كانت أبرزها متفجرة "بير العبد" عام 1985 وتم قصف بيته في حرب تموز (يوليو) عام 2006 من قبل الجيش الإسرائيلي.

- كان له الدور البارز في إسقاط اتفاقية 17 أيار (مايو) عام 1983 بين دولة إسرائيل والدولة اللبنانية.

- عام 1996 بدأ بإقامة صلاة الجمعة في مسجد الإمامين الحسنين في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت.

- عام 1997 أعلن تصديه للمرجعية الدينية وطرح رسالته العملية.

- كان له الدور البارز في كسر الجمود وتفعيل الحوار بين الأديان والمذاهب، كما كان أحد أبرز أعضاء المجتمع العالمي للتقريب بين المذاهب.

- شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات في لبنان وإيران ومصر وأفغانستان والولايات المتحدة الأميركية وسورية".

(https:/ar.wikipedia.org)

ومن مؤلفات السيد فضل الله تفسير "من وحي القرآن" في عشرين مجلدا، تقول الموسوعة إنه بشهادة العديد من علماء الذين "يعتبر من أبرز تفاسير القرآن الكريم في القرن الرابع عشر هجري".

خالف الكثير من مراجع وعلماء الشيعة آراء وفتاوى السيد حسين فضل الله بعد تصديه للمرجعية وتعدد الموسوعة من بين ما انتقد فيه "أفكار حادثة كسر ضلع فاطمة الزهراء، حيث يعد الشيعة هذه الحادثة من المسلمات التاريخية"، ويقول السيد فضل الله إنه لا ينكر الحادثة بل يشكك فيها، ومما انتقدوه فيه تحديد أول الشهور عبر الحسابات الفلكية "حيث إن الشيعة يعتمدون رؤية الهلال إما بالعين المجردة إو بالعين المسلحة"، وثالث ما أثار الاعتراض عليه رفض السيد فضل الله وتحريمه "مبدأ اللعن والسب والتوجه بالإساءة إلى بعض أصحاب النبي محمد وعائشة".

وتضيف الموسوعة إن المرجع الإيراني "جواد التبريزي" كان من جملة من انتقدوا "فضل الله"، فأصدر عددا من الفتاوى والبيانات الموجهة ضد "فضل الله"، وقد وصفه بـ"الضال المضل"، كما حرم تقليده وقراءة كتبه والترويج لها. ومن منتقدي فضل الله المرجع "حسين وحيد الخراساني"، وقد عبر في إحدى رسائله عن عقيدة فضل الله "إضلال عن سبيل الله وإفساد في العقائد الحقة". وقد انتقد "جعفر مرتضى العاملي" مؤسس "المركز الإسلامي للدراسات" في بيروت بقوة تشكيكات فضل الله في العقائد الشيعية في محاضراته وخطبه وكتبه. وقد قام "العاملي" بتأليف كتاب أسماه "مأساة الزهراء" ثم ألحق به كتابا آخر باسم "خفايا كتاب مأساة الزهراء" في عدة مجلدات، وقد ضمن فيها نقدا شديدا لآراء فضل الله، وقد أيد "العاملي" لفيف من العلماء والمراجع أبرزهم السيد "محمد سعيد الحكيم" و"الشيخ باقر شريف القرشي".

ويبدو أن مصالحة ما ربما جرت بين السيد فضل الله والمراجع الإيرانية الرسمية تقول الويكيبيديا: "بعد أن كثرت المناولات التي تطول السيد فضل الله أصدر السيد علي الخامنئي فتوى بحرمة الكلام أو النيل من السيد فضل الله، واصفا إياه بأنه من أعلام المذهب بطهارته وإيمانه وجهاده. كما أنه قال بوجوب تفعيل صلاة الجمعة التي كان يقيمها السيد فضل الله في مسجد الحسين في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت".

back to top