شيعة الولايات المتحدة... والمرجعية (2)

نشر في 29-03-2018
آخر تحديث 29-03-2018 | 00:10
 خليل علي حيدر سنتناول في هذا المقال بشيء من التفصيل بعض قضايا الأقلية اليهودية في الوسط الشيعي، وبخاصة في إيران والعراق، ضمن حديثنا عن فتاوى السيد فضل الله، فقد اجتذبت صراحة إجابات "السيد فضل الله" ووضوحها الكثير من شباب الشيعة في الولايات المتحدة، وتضيف الباحثة الأميركية "لندا ولبريدج" أن ما اجتذب مريديه كذلك مجموعة من أفكاره التي اختلفت عن علماء الشيعة التقليديين، ومنها قول فقهاء الشيعة بـ"نجاسة الكافر"، أي غير المسلم عموماً.

ويرى السيد محمد حسين فضل الله (1935-2010) عكس الكثيرين منهم، أن "كل شخص طاهر بدنياً، لأنه لا يوجد دليل نصي بخلاف ذلك"، وهذا الرأي الفقهي، تقول الباحثة "مهم جدا لمن يعيشون وسط عدد من غير المسلمين". وهذا رأي السيد "علي الخامنئي" مرشد الثورة الإيرانية كذلك، الذي يقول في رسالته الفقهية "أجوبة الاستفتاءات" إن النجاسة الذاتية لأهل الكتاب "غير معلومة، بل نرى أنهم محكومون بالطهارة ذاتاً". وبالنسبة إلى نجاسة البوذيين أفتى الخامنئي بأنه "ما لم يُحرز ملامسة اليد والبدن مع الرطوبة المسرية للكافر غير الكتابي لا يُحكم بالتنجس". (الجزء الأول، 1995، ص97- 100). أما البهائيون، كما بينا في مقال سابق، فيقول السيد خامئني بأن "جميع أفراد الفرقة البهائية الضالة محكومون بالنجاسة".

ولكن لماذا انتظر الفقه الشيعي كل هذه القرون ليغير موقفه من نجاسة اليهود والمسيحيين الجسدية؟ هذا التطور بحاجة لدراسة خاصة.

لم تكن إيران فيما يبدو بيئة مشجعة لبقاء اليهود فيها، فالغالبية العظمى مثلاً من يهود "بخارى" وأفغانستان تركت إيران عام 1835، ويضيف كتاب "اليهود في البلدان العربية: 1850-1950"، عالم المعرفة- الكويت 1995، بإشراف المؤرخ "صموئيل أتينجر إنه "يمكن القول بشكل عام إن أهل السنّة من المسلمين كانوا أكثر تسامحاً من الشيعة تجاه اليهود، ولكن كان هناك عامل آخر حدد وضع اليهود، وهو مركزية السلطة، حيث إنه كلما كانت السلطة مركزية أكثر وقادرة على الهيمنة بكفاءة على مقاليد القوة المختلفة في المملكة، وخاصة إذا كانت هذه السلطة أجنبية كان وضع اليهود مريحا أكثر، ففي العراق نعم يهود العراق بالأمن عندما تولى الولاة الأتراك مقاليد السلطة، وشعر يهود عدن أيضا بالاستقرار في ظل الاحتلال البريطاني، وفي بخارى منذ أن حكمها الروس، أما في كردستان فإن قادة القبائل لم يتوقفوا عن اضطهاد اليهود أكثر مما كان عليه الأمر في البلاد الأخرى، ولكن هذا الأمر كان له استثناء؛ ففي اليمن حيث ضعفت هناك السلطة المركزية في صنعاء، وسيطر عليها زعماء القبائل القوية- حاشد ونجيل- كان اليهود ينعمون بوضع مريح، لأن العلاقات بين المسلمين واليهود هناك كانت تقوم على التقاليد القبلية لأهل البلاد ولم تكن قائمة على الشريعة الإسلامية.

ومن الواضح أن يهود الشرق كانوا يتعرضون لأضرار بالغة في الأماكن والفترات التي كانت تعجز فيها السلطة المركزية عن السيطرة على مجريات الأمور". (ص21).

وقد نشط المبشرون المسيحيون في أوساط اليهود في دول المشرق، يضيف الكتاب، "ورغم حصول هؤلاء المبشرين على دعم البريطانيين والأميركيين في بلدان الشرق، فإنهم لم يحرزوا أي قدر يذكر من النجاح في أوساط اليهود، باستثناء إيران، حيث نجحوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في دفع المئات من يهود إيران لاعتناق الديانة المسيحية. ولم يعتنق هؤلاء اليهود الديانة المسيحية لأسباب دينية أيديولوجية بقدر ما كان اعتناقهم لها لأسباب اجتماعية، خاصة أن السكان الشيعة في إيران كانوا يعادون اليهود. وعلاوة على الظروف السياسية والاقتصادية التي شجعتهم على اعتناق المسيحية كان لضعف القيادات اليهودية في إيران دور أيضا في انصراف اليهود للمسيحية، أضف إلى هذا أنه كانت في إيران طوائف مسيحية وأرمنية على قدر كبير من القوة والتأثير. وحقا فقد كانت ظاهرة اعتناق اليهود للديانة المسيحية شائعة في إيران أكثر من أي بلد آخر".

(ص 71).

ويلاحظ المؤرخ عدم ظهور عائلة يهودية ثرية في إيران حتى الحرب العالمية الأولى، "لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليهود إيران طيلة الفترة الممتدة من القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى كانت متدهورة للغاية" (6 ص43).

كانت البيئة التنظيمية لليهود في إيران ضعيفة للغاية، يقول المؤرخ "وكان وضع قيادتهم الدينية متدنياً للغاية بسبب تدني مستوى معرفتها بالتوراة، ولم تتمكن القيادة التقليدية للمجتمع اليهودي بطبيعية الحال من أداء مهامها بسبب الضغوط التي تعرضت لها في المجتمع". (ص 101).

وفي القرن التاسع عشر بدأ وضع يهود إيران بالتحسن بعض الشيء، وحاولت النخبة اليهودية إقامة نظام تعليمي حديث، وتزايدت قوة القيادة الثرية والمستنيرة وبخاصة في العهد البهلوي، وفي عهد الشاه محمد رضا بهلوي، يقول المؤرخ "وصل بعض يهود إيران إلى مرحلة ضخمة من الثراء الفاحش"، كما أن الطائفة اليهودية في إيران "وصلت الى مرحلة من التنظيم فاقت كل الطوائف اليهودية الأخرى بالشرق، فكانت البنية التنظيمة للطائفة تمارس العديد من الأنشطة في مجالي التعليم وتقديم التبرعات". (ص 102).

وكان اليهود قد حاولوا الاندماج في المجتمع الإيراني وتخفيف المعاداة للأقلية اليهود بطريقين، حيث تمثل العامل الأول، يقول "أتينجر"، عن طريق" اعتناق الآلاف من اليهود بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر للديانة البهائية إيماناً منهم بأن هذه الديانة تمنح المساواة للجميع، وعقد يهود إيران آمالهم على هذه الديانة، معتقدين أن انتشارها في كل إيران سيؤدي إلى تحسن أوضاعهم، ولكن هذه الديانة لقيت معارضة شديدة من قبل قادة المذهب الشيعي والحكام والسكان، ولذا فإنها لم تحقق الغرض المنشود لليهود".

أما العامل الثاني في محاولة الاندماج فتمثل "في أن الكثيرين منهم حرصوا على إخفاء انتماءاتهم الدينية، إما عن طريق تغيير أسمائهم، وقطع علاقاتهم بالطائفة اليهودية، أو اعتناق الإسلام، وشاعت إبان فترة الحكم القاجاري (1794-1925) ظاهرة اعتناق أعداد كبيرة من اليهود للإسلام، وفي المقابل فإنه سادت إيران إبان فترة "الحكم البهلوي"- التي انتهت سنة 1979- ظاهرة قطع العلاقات مع الطائفة اليهودية، وفي العراق سادت هذه الظواهر في أوساط الشخصيات المستنيرة من يهود العراق، أما في إيران فإنها سادت في أوساط أصحاب المهن الحرة والتجار".

(ص55).

ويلاحظ الباحث على الثورة الإيرانية عام 1979 أنه "بالرغم من أن آية الله الخميني حرص منذ توليه الحكم على تطبيق الشريعة الإسلامية، فإنه لم يطبق سياسة أهل الذمة تجاه اليهود". وهذه ملاحظة بالغة الأهمية.

وفي العهد القاجاري الذي أشرنا إليه منذ قليل، يلاحظ الكتاب، "كان يهود إيران من أكثر يهود الشرق تعرضا للمضايقات، خصوصا في عهد ناصر الدين شاه الذي تولى مقاليد الحكم بإيران خلال الأعوام 1848-1896 وبالرغم من أن الشاه حاول إبان هذه الفترة إرساء أسس النظام الحديث في إيران وتحسين أوضاع اليهود فإن كل محاولاته لقيت معارضة شديدة من قبل قادة المذهب الشيعي، الذين لم يجدوا أي صعوبة في إثارة مشاعر السكان ضد اليهود. وباءت كل المحاولات التي بذلها ناصر الدين شاه للتقليل من نفوذ رجال الدين بالمجتمع بالفشل، ولم يكتف رجال الدين بتجاهل أوامر ناصر الدين شاه الداعية إلى عدم التعرض بالأذى لليهود، بل أصدروا مراسيم دعت الى ملاحقة اليهود واضطهادهم، ولم يتوقف قادة رجال الدين من المتطرفين عن مطاردة اليهود، مما دفع عزيز الله سيماني مندوب اليهود بالبرلمان الإيراني للاستقالة من منصبه بعد أن لم يسمح له أعضاء البرلمان بإلقاء كلمته". (ص56).

back to top