ليلى العثمان... صحبة حياة!

نشر في 28-03-2018
آخر تحديث 28-03-2018 | 00:00
 طالب الرفاعي "صباحك الخير عزيزتي ليلى".

صباحك صداقة تعدت الأربعين عاماً. صداقة حملتكِ مرة على كتابة نصٍ يقدّمني بوصفي ولداً لك. وحملتكِ مراراً أن تقولي في جمع من الأصدقاء داخل الكويت وخارجها:

"طالب مثل ابني!"

"صباحك الخير عزيزتي ليلى".

طويلة كانت المسيرة؛ مسيرة الصداقة، والعائلة، والعيال، والأحبة، والسفر والأصدقاء، وقبل هذا وذاك؛ مسيرة الحرف والكلمة والقصة القصيرة والرواية والقراءة المتجددة والكتابة واللوحة. وكأي مسيرة إنسانية يا ليلى، مليئة بلحظات الفرح العابر كانت مسيرتنا، فهي طبيعة المتع الإنسانية الأجمل؛ تمرُّ خطفاً، لكنها قادرة على أن تترك رسماً وصوراً مشرقة في القلب... هي رحلة صداقتنا يا ليلى، كما صداقات الدنيا الأقرب، تمسح وجهها باللطف والود والسرور تارة، والألم والضيق والمعاناة والبكاء تارات أخرى.

"صباحك الخير عزيزتي ليلى".

مساء يوم الخميس 22 أبريل الفائت، حضرتُ بدعوة كريمة منك، حفل جائزتك للإبداع الشبابي في دورتها السابعة، التي فاز بها هذا العام الكاتب الشاب عبدالله الحسيني، عن روايته "لو تغمض عينيك". شاهدتك عند مدخل "رابطة الأدباء"، تستقبلين أحبابك وأصدقاءك بابتسامتك التي أعرف، وودك الذي أعرف، وحفاوتك التي أعرف. وحين بدأ الحفل، شاهدت ليلى الصديقة التي أعرف، تمشي بهدوء، وترتقي درجات سلم خشبة التكريم بحذر، بمساعدة ولدها الحبيب عمّار. وشاهدت ليلى تقرأ بصوت هادئ وبتأنٍ، ولحظتها دار الهاجس بخاطري؛ تعِبت ليلى! وردَّ الهاجس عليَّ: "ربما ليلى الجسد الإنساني كما باقي البشر".

"صباحك الخير عزيزتي ليلى".

يا ليلى يا صديقتي، منْ قال إننا لن نتعب؟ ومنْ قال إننا نتعب؟ صحيح أن الكاتب إنسان، يجري عليه ما يجري على باقي البشر، يطويه الدرب بعثراته وغباره وأوجاعه، بقدر ما يطوي هو لحظات عمره. لكن الصحيح أيضاً أن روح الفكر، وروح القراءة، وروح الكتابة تحفظ للكاتب نبض لحظة حياته العابرة طازجاً، وتضفي ألقاً على حضوره، وتمنحه تعويضاً إنسانياً كبيراً بأن يبقى محل محبة وترحيب وتقدير أينما حلَّ ووقتما حلّ. لذا، قد تتعبين يا ليلى، لكن المؤكد أنك لن تتعبي! ولأهمس بك بصوتٍ تعرفين نبرته:

"كلنا تعبٌ!".

"صباحك الخير عزيزتي ليلى".

رحلة حياة جاوزت الأربعين عاماً جمعتنا؛ إسماعيل فهد إسماعيل وأنتِ وأنا. حياة أهل وأصدقاء وصخب كثير من حولنا. لكننا نحن الثلاثة، كانت مساحة المشترك الإنساني والفكري والإبداعي كبيرة بيننا. رحلة صداقة أخذتنا إلى حيوات مشتركة، وإلى لقاء مشترك مع الآخر داخل الكويت وخارجها، إلى قراءات مشتركة، ونقاشات لا تنتهي، وكتابات، وأمسيات وملتقيات وجوائز، وسفر لا يتعب.

"ثلاثي الكويت"...

هكذا صار يُطلق علينا... ذكريات وضحكات وصراخ وعصبية عابرة تترك ابتسامة لحظة تنطفئ... ما أجملها وما أبقاها تلك اللحظات يا ليلى، في أيام وليالي الكويت، ودمشق وحلب وعفرين، والقاهرة، وصنعاء، وسفرات وأماكن كثيرة وأصدقاء بعدد ذكرياتنا الأحب... هي الرحلة الباقية يا ليلى! لا زال إسماعيل بحضنه الدافئ وصوته الأعلى، ولا زلتِ أنت بابتسامتك وحضورك، ولا زلتُ أنا بالقرب منكما وحولكما، معاً على درب الرحلة، رحلة الصداقة والحياة!

"صباحك الخير عزيزتي ليلى".

في كتابك الأخير، في سيرتك الذاتية، في روايتك، في اعترافاتك، في قولك شيئاً من حياتك وحياة أسرتك وحياة الكويت أسرتك الأكبر، جاء العنوان "انفض عني الغبار"، وكم كان هذا الغبار يا ليلى حلواً! فهل ذكريات حياتنا سوى ذرات غبار تتطاير ليحملها هواء الحياة العابر معه. ولا يبقى لنا منها إلا الذكريات، ووحده الكاتب ووحدها هذه الذكريات تصبح مادة للإبداع، مادة للفكر، مادة للكتابة، مادة للتوثيق، مادة للقراءة، مادة للمتعة الإنسانية الأبقى، وأخيراً مادة للحياة!

تعبتِ يا ليلى؟ لأقل لكِ كما مرات كثيرة أخبرتك:

"لن تتعبي يا ليلى!"

صحيح أننا نتعب كباقي البشر، لكننا نبقى نحمل جذوة الكتابة الآتية، ووحدها تجعلنا أنضر وأبقى!

صحبة حياة يا إسماعيل، صحبة حياة يا ليلى، وستبقى!

back to top