زهور لم تقاوم النار

نشر في 27-03-2018
آخر تحديث 27-03-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري "المتقي ليس حقيقة على الإطلاق، ولكن فكرة، قد تكون صالحة أطلقها صالح، وانتهت فكرة شيطان... هؤلاء الذين انتهكوا السور وأهلها، هم المتقي الآخر، المتقي الأول سيتبرأ من الفكرة، لو عرضت عليه الآن". هذه الجملة، التي جاءت في الفصل الأخير من رواية أمير تاج السر (زهور تأكلها النار)، هي مفتاح النص، والثيمة الأكثر أهمية فيه.

منذ الفصل الأول يأخذنا السرد البهي الذي أجاده أمير تاج السر، السرد بخبرة امتدت طويلا، ولأكثر من عمل روائي استحق عنه التقدير، يأخذنا إلى عالم تم تأسيسه في حالة سلام عاشتها المدينة المبتكرة (السور). مدينة تم رصدها بعين الراوية (خميلة) القادمة من مصر، بعد دراسة "علم الجمال"، لتصف لنا حالة السلام بموسيقاه وفنونه وتجارته ومواخيره، مدينة يسكنها المسيحي والمسلم واليهودي والبوذي في تعايش يكاد يكون نموذجيا. شخصيات عديدة لا يمكن لنا تذكرها من القراءة الأولى، أغلبها جاء ليكمل اللوحة الجمالية التي عليها المدينة قبل اقتحامها.

وربما لن يتذكر القارئ قائمة الأسماء التي ساهمت في تكوين هذه الشخصيات، لأسباب أهمها كثرتها أولا، وعدم تبلور دورها الحقيقي والمركزي في صناعة البناء الروائي.

شخصيات السلام التي يمكن أن نضيفها لخميلة الراوي والبطلة في الوقت نفسه هي تلك التي بقيت في الجزء الثاني من العمل بعد انتهاك المدينة. ويُحسب للروائي هنا تمكنه من رصد هذه الشخصيات، والحرص على تنويع أدوارها في السرد، وسلاسة خروجها من مسرح السرد دون افتعال أو ضجة غير مبررة.

الجزء الأهم في العمل هو الجزء الثاني، والذي أخضع مدينة السلام والتعايش للدمار والتدمير وجز الرؤوس واغتصاب النساء. ذلك العمل الإجرامي، والذي نشأ تحت فكرة الصلاح والبراءة وهو بعيد كل البعد عنهما، في الواقع لم يكن حدثا تاريخيا كما صوَّره الروائي. ذلك ما حدث فعلا في عصرنا الحالي والقريب جدا منا ونحن نرى أتباع "المتقي/الفكرة" يلعبون بالرؤوس كما يُلعب بالكرة. لم تكن حالة السجن التي تعرضت له "خميلة/النعناعة" وحالات الإعدام والاغتصاب التي تعرضت له زميلاتها بعيدة عن حالة السبي وبيع الجواري الذي قام به "داعش" و"بوكو حرام" تحت وطأة الفكرة.

هل الفكرة نقية فعلا؟ وهل المتقي الذي تحدث كل هذه المآسي الإنسانية باسمه ليس هو المتقي/الفكرة؟ هذان السؤالان اللذان يصعب الإجابة عنهما حين نحاول تجريد الفكرة من العمل الواقعي بها. وكانت خميلة، بعد أن أصبحت نعناعة، تردد في أحد كوابيسها أنها آمنت بالفكرة، ولن تتخلى عن اسمها مقابل هذا الإيمان. ذلك هو الإيهام الذي تركنا فيه السرد. لم نصل إلى نهاية مرسومة بدقة للرواية. اختلطت الكوابيس التي أنقذت خميلة بالحقيقة التي كرست سجنها وقرب زفافها للمتقي. وربما الجملة الأخيرة في الرواية كانت توحي بأن كل أحلام الحرية التي حلمت بها ليست سوى أوهام فتاة مرهونة للعذاب القادم.

"وأسمع صوتاً عجوزاً غاضباً يأتيني من بعيد:

- من لولو يا نعناعة؟".

هذا السطر الأخير جاء ليمحو كل أحلام الخلاص التي عاشتها خميلة في الصفحات التي سبقت هذه الجملة. ربما هو عجزنا في الخلاص من سوء فهم الفكرة وتأويلها.

جاءت الرواية تحمل صوتا أحاديا وطريقا أفقيا في السرد حرمنا من تنوع الأصوات الأخرى، لم ندرك حقيقة المتقي، وما يطمح إليه من كل هذا الدمار، وهل هو المتقي الذي بارك الأعمال الإرهابية التي قامت بها جماعته، أم صاحب فكر مغاير للفعل الذين يقومون به؟ لم نعرف أسباب عجز الرجال ووقوعهم في أسر مماثل لعجز النساء. كان الصوت الأوحد بحاجة لأكثر من رديف.

back to top