حارس الغابة!

نشر في 22-03-2018
آخر تحديث 22-03-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري ربح الذين تقرَّبوا إلى إنسانيتهم أكثر كلما ارتفعوا عن الأرض، وكلما اقتربوا للسماء نظروا للنجوم مرة، ونظروا أضعافها لرؤوس الجبال المدببة على الأرض وشوك الورد الذي كان يُرمى في طريقهم، الذين لم يحاولوا أن يكونوا جزءا من الشمس رغم أنهم من يصنع النجوم، فاتقوا شر فجأة الوقوع بمصادقة الطين داخلهم كلما حاصرهم كرنفال الفلاشات التي تعمي أبصارهم. سرّ هؤلاء أنهم وجدوا معراجاً سحريا إلى إنسانيتهم، كلما ارتفعت بهم الأجنحة عالياً، سما ذلك المعراج بهم إلى نور الأرض، لينعموا بنور السماء، فكانوا إذا ما سقطوا من عقد النجوم فجأة، أصبحوا على الأرض حجراً كريماً.

أحد الطاعنين في تقلبات العيش عبر التجاعيد مد بساطاً من حكمة حين قال: «ما تمسك امرؤ بذرة رحمة في قلبه إلا وتعلّق الخير في قدمه».

إن الرحمة هي العتبة التي ترتقي بهولاء من درجة بشريتهم المكتظة بأضداد الصفات من خير وشر إلى درجة الإنسانية، حيث غربلة الصفات وأنسنة ما توحّش منها.

إن الرحمة حبلنا السري الموصول بإنسانيتنا، وحارس غابة أخلاقنا وصفاتنا التي تميزنا عن الكائنات الأخرى. إنها ترعى جمال تلك الغابة، تقلّم أشجارها، تقص الأعشاب التي تحجب الرؤية في ممراتها الضيقة، تنزع الشوك من الأزهار، تلمّع بخرقة قطنية المقاعد الخشبية، وتبقي حيوانات تلك الغابة المفترسة في مكان منعزل قصي، حماية للغابة والآخرين من أذاها، فلولا حارس الغابة لانفلتت تلك الحيوانات المفترسة، وأحدثت خراباً في الغابة، وشكلت مصدر خطر على الآخرين... هذا ما تفعله الرحمة، إنها تمنع صفاتنا المفترسة من العبث فساداً في أنفسنا، لنفقد في آخر المطاف ذواتنا. إنها تقلّم أغصان صفاتنا البشرية السيئة، كالغرور، والانتقام، والتملك، وصفات بشرية أخرى تحجب الشمس ان تُركت أغصانها تتمدد فينا كيفما شاءت لتخلق بيئة صالحة لارتكاب الخطايا.

الرحمة تهذّب ما تنبته نوايانا المشوبة بالشر، لتبقينا بمواءمة مع إنسانيتنا، مهما حاولت الحياة أن تمنحنا ما يغرينا بالتبرؤ من جوهرنا.

يروي لي أحد الأصدقاء حادثة لأحد الوزراء الشباب الذين يتقلدون حالياً حقيبة إحدى الوزارات، قال إنه بعد تكليفه تولي حقيبة الوزارة قام بإعادة هيكلتها، وحدث أن أحد رؤساء الهيئات التي شكلها قام بالاستغناء عن عدد من الموظفين المتعاونين تحت إدارته، تماشيا مع خطة التطوير الجديدة للوزارة، من بينهم موظفة اضطرتها ظروفها المادية إلى العمل في الوزارة بوظيفة أخرى لإعالة عائلتها كأم مطلقة لطفلتين بالكاد يغطي إجمالي الراتبين التزاماتها الشهرية، فكتبت استعطافاً للوزير تشرح بالتفصيل حاجتها للوظيفة، فأمر الوزير بأن يصرف لها ما يغطي الفرق في التزاماتها شهريا من حسابه الشخصي. يقول صاحبي فقلت له لو سمح معاليكم لدينا بنود قانونية في الوزارة نستطيع من خلالها صرف ذلك المبلغ، فردَّ الوزير قائلاً: أنا من كنت سببا لتعرضها ذل الطلب!

هذا ما تفعله الرحمة إن لم تستطع نزع الشوك من داخلنا، نزعت من أحشائه السم، إنها لجام جموحنا وجنوحنا عن الصراط المستقيم لإنسانيتنا!

back to top