التلقيح ضد الفقر

نشر في 21-03-2018
آخر تحديث 21-03-2018 | 00:07
من خلال تقديم الأثر الصحي والاقتصادي كنموذج لتحصين الأطفال من عشرة أمراض في 41 دولة من أفقر البلدان، يقدر الباحثون أن اللقاحات بين عام 2016 و2030 ستحول دون 36 مليون حالة وفاة.
 بروجيكت سنديكيت بالنسبة إلى معظم الناس الاختيار بين مرض يهدد الحياة وديون مدى الحياة ليس اختيارا، ومع ذلك يضطر مئات الملايين من الناس حول العالم إلى مواجهة هذه المعضلة بسبب التكلفة الباهظة للعلاج الطبي، ومن المفارقات أن أكثر الناس تضرراً ليسوا أولئك الذين يتعين عليهم دفع تكاليف طبية عالية، بل أولئك الذين يعيشون في أفقر مناطق العالم.

على الرغم من ارتفاع تكاليف العلاج في بلدان مثل الولايات المتحدة، حيث أصبحت الديون الطبية أحد الأسباب الرئيسة لحالات الإفلاس الشخصية، فإن الأشخاص الذين يعيشون في البلدان الفقيرة ينفقون بالفعل على تكاليف الرعاية الصحية أكثر مما يتقاضونه، وبما أن التأمين الصحي غير متوافر أو باهظ التكاليف ولا توجد عادة حماية من الإفلاس، فغالباً ما يتم دفع الأسر إلى الفقر.

ولكن هذه المأساة- التي تؤثر في أكثر الأشخاص تعرضاً للخطر في العالم- يمكن تجنبها في العديد من الحالات. تشير دراسة جديدة نُشرت في فبراير في مجلة الشؤون الصحية إلى وجود خيار آخر: في كثير من الحالات، يمكن منع الفواتير الطبية عن طريق الوقاية، من خلال استخدام اللقاحات على نطاق واسع وبأسعار معقولة.

نحن نعلم بالفعل أن اللقاحات هي واحدة من أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة للوقاية من الأمراض والوفيات، وتوفر الدراسة الجديدة أدلة داعمة إضافية، ومن خلال تقديم الأثر الصحي والاقتصادي كنموذج لتحصين الأطفال من عشرة أمراض في 41 دولة من أفقر البلدان، يقدر الباحثون أن اللقاحات بين عام 2016 و2030 ستحول دون 36 مليون حالة وفاة، لكن تحليلهم كشف عن شيء آخر: خلال الفترة نفسها، سيعمل التلقيح أيضا على منع 24 مليون شخص من الوقوع في الفقر بسبب تكلفة العلاج الطبي.

يعرّف البنك الدولي "الفقر" بأنه دخل للأسرة الذي يقل عن 1.90 دولار في اليوم، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، تتسبب التكاليف الصحية في انخفاض 100 مليون شخص تقريبا عن هذه العتبة كل عام، في حين يواجه 150 مليون شخص آخر "تكاليف صحية كارثية"، والتي تُعرف بأنها نفقات صحية تستهلك 40٪ من ميزانية الأسرة بعد تلبية الاحتياجات الأساسية.

كل هذا يسلط الضوء على الدور المهم الذي يجب أن يؤديه التلقيح في المساعدة على الحد من الفقر، ووجدت الدراسة أن أكبر فوائد التلقيح بين أفقر الناس تشير إلى أن الأشخاص الأكثر فقرا هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها، وأن التأثير على حياتهم قد يكون أكبر.

هذه فرصة مناسبة بالنسبة إلى حكومات البلدان منخفضة الدخل، لأنها تُظهر ما يمكن أن تحققه من حيث تحسين العدالة الصحية والحد من الفقر من خلال استهداف معدلات التلقيح أعلى في المجتمعات الأكثر فقراً وتهميشاً، علاوة على ذلك يمكن للحكومات اتخاذ خطوة مهمة نحو التغطية الشاملة للرعاية الصحية (UHC)، وذلك من خلال توفير رعاية صحية عالية الجودة بأسعار معقولة للجميع، بغض النظر عن دخلهم.

ويمكن أن تعمل برامج التلقيح الوطنية كمنصات يمكن من خلالها إنشاء نظام الرعاية الأولية، ترافق لقاحات الأطفال سلاسل التوريد، ومعدات التبريد، والعاملين الصحيين المدربين، وحفظ السجلات الطبية، وتتبع البيانات، ومراقبة الأمراض، وأكثر من ذلك بكثير. وهكذا، عندما يكون لدى المجتمع إمكانية الوصول إلى لقاحات الأطفال، فإنه في كثير من الأحيان لا يستغرق وقتا طويلاً قبل أن يتمكن من الوصول إلى خدمات أخرى، مثل رعاية الأطفال حديثي الولادة والأمهات، والمكملات الغذائية، وتدابير الوقاية من الملاريا، والصحة الجنسية والإنجابية والتعليم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن برامج التحصين لها امتداد كبير، وبفضل المنظمات الصحية العالمية مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وتحالف اللقاحات Gavi، تعد برامج التلقيح الوطنية بالفعل أحد أكثر التدخلات الصحية المتاحة على الإطلاق. اليوم نحو 80٪ من أفقر الأطفال في العالم يحصلون على اللقاحات بشكل منتظم (أي ثلاث جرعات من لقاح ضد الخناق والكزاز والسعال الديكي)، ولدينا منصة لتطوير الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة، حتى في أكثر البلدان تعقيدا.

وكما تشير هذه الدراسة الجديدة، يؤدي التحصين دورا آخرا غير مباشر، وفي غياب خدمة صحية وطنية ممولة من الحكومة أو تأمين صحي بأسعار معقولة، فإن التحصين الروتيني له تأثير مالي عميق، من خلال إنقاذ ملايين الناس من الحاجة إلى الرعاية الصحية في المقام الأول، وذلك عن طريق الوقاية من الأمراض.

وتستند هذه الدراسة إلى مجموعة متزايدة من الأدلة على أن اللقاحات لا تنقذ الأرواح فحسب، بل تبني أيضاً الاقتصادات، وقد قدرت الدراسات السابقة أن كل دولار يستثمر في اللقاحات يوفر 16 دولاراً من حيث تكاليف الرعاية الصحية، والأجور المفقودة، وفقدان الإنتاجية بسبب المرض، أو 44 دولارا، نظرا إلى الفوائد العامة للأشخاص الذين يعيشون حياة أطول وأكثر صحة.

لكن هذه الدراسة الجديدة تظهر الآن الأثر المادي لذلك على حياة الناس، وعلى مدى العقد والنصف القادمين ستنقذ اللقاحات ملايين العائلات من البؤس الطاحن والفقر المدقع، فلدينا الآن المزيد من الأسباب للعمل بجد لتلبية الإمكانات الهائلة للتحصين.

* سيث بيركلي

* الرئيس التنفيذي لشركة جافي، تحالف اللقاحات.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

البنك الدولي يعرّف الفقر بأنه دخل الأسرة الذي يقل عن 1.90 دولار في اليوم
back to top