موضي الفهد... نساء العالم!

نشر في 21-03-2018
آخر تحديث 21-03-2018 | 00:00
 طالب الرفاعي قد يستغرب البعض العنوان أعلاه، لكنه ما أشعر به، فحين تكون علاقتك بأمك قوية باقية بخفق قلبك طوال عمرك، سترى نساء العالم بوصفهن أمك. الأم بمعنى الحب، وبمعنى الملجأ، وبمعنى المعلم، وبمعنى الصبر، وبمعنى وعي تجاوز وجع اللحظة الراعفة، وبمعنى انتظار اللحظة القادمة الأجمل.

موضي الفهد أمي، لم تكن تجيد القراءة والكتابة، لكنها كانت تجيد تماماً قراءة صفحة لحظة الحياة العابرة، وتجيد أكثر منها توقع ما يمكن أن تكون عليه اللحظة المقبلة.

موضي الفهد، عاشت الكثير من المتاعب والآلام والأوجاع، وحتى المرض، وكأي أم عربية أو أجنبية. أم تجاهد كي تمنح كل ما يمكنها أن تمنحه لعيالها، بدءا بصد يدها عن لقمة تريدها لأفواههم، وانتهاء بلحظة فرح ترسم وجوههم، فتنعكس ألقاً يضيء وجهها.

أمي موضي، ورغم كل الأوجاع التي مسّت وجرحت وثلمت قلبها وروحها، ظلت وبشكل لافت ممسكة بحبل أمل متين،

لا أعرف، وأتعجب الآن من أين جاءت به! وكيف لها، وهي الضعيفة، أن تعثر بهذا الجبل السحري، الذي تصرَّ على الإمساك به لعبور جسر الحياة الشاهق والمهتز، والذي ينتظر زلة قدمها، لتهوي إلى وادي الضياع والموت"؟!

موضي الفهد، ليست استثناءً عن أمهات كثيرات، في الكويت، أو الخليج أو الدول العربية أو العالم، هي أنثى، ولكونها كذلك، كُتب عليها أن تكون فتاة صغيرة وشابة، وامرأة وجدة، كُتب عليها أن تعاني وتقاوم، لا لشيء إلا لأنها أنثى، ولا لشيء إلا لأنها امرأة في مجتمع رجالي، لا يرى إلا نفسه، ولا يرحم إلا نفسه، ولا يقرأ اللحظة إلا بما يجلب المنفعة إليه، ودائماً على حساب المرأة!

موضي الفهد، ليست استثناءً في مجتمع بسيط كان يعتاش على البحر وشيء من الصحراء. كان الرجل يخرج فيه إلى مغامرة البحر والحياة وربما الموت. يغيب ما يقارب الستة أشهر، لتكون هي الراعي لبيته وعياله وماله، ومؤكد شرفه وسمعته. لذا عليها أن تكون مثل شجرة وارفة الظلال لعيالها، وعليها أيضاً أن تكون صخرة ملساء لا يؤثر شيءٌ فيها، وأخيراً عليها أن تكون صابرة كأرض الكويت، تنتظر سقوط المطر، لتفرح به، وتأخذه لقلبها لحظة يأتي ذاك المطر العزيز.

موضي الفهد، وكأي أم، كانت تنظر في عيون أبنائها، وتتمنى لهم الخير والنجاح، وتقرأ أملاً مؤجلاً تراه دون غيرها في ملامحهم، مرددة جملتها الأثيرة:

"يكبر الصغار ويعمرون الديار".

أكتب عن أمي، أكتب عن نساء العالم، أكتب عن حضن أمي، أكتب عن حضن نساء العالم، فمن يُكتب له أن يكون مثلي، ينتمي لحضن أمه، ولحب أمه، ولصبر أمه، ولحلم أمه، ولكلمات أمه، وأمثال أمه، مَن كان مثلي، فسيرى في كل فتيات وشابات ونساء العالم أماً، وسيرى العالم بوصفه ظلاً يأتي من اخضرار وجه أمه، وحسِّ أمه، ورائحة أمه، وطعام أمه، ولمسة أمه، وابتسام وجهها المضيء!

مَن كان مثلي سيعرف تماماً عما أتكلم، وسيعرف تماماً كيف أن أمه تحيا معه في كل لحظة وطوال عمره، تحيا معه أماً وأختاً وزوجة وابنة، فمن قال إني أنتمي لأمي موضي الفهد دون جدتي هاشمية، دون عماتي الأحب، ودون أختي حياة، ودون خالتي مريم، ودون زوجتي شروق، وابنتَي فرح وفادية؟

مَن قال إن يوم الأم يخص أمي؟ ومن قال إنني لن أحتفل بيوم الأم لأن أمي موضي توفاها الله إلى واسع رحمته، فما عاد لي أمّ احتفل بها؟ الأم اختصار للعالم في امرأة! هي الأم، وصلٌ بنساء العالم! وعشق بنساء العالم، وانحناء دائم أمام طيبة وإخلاص وعطاء المرأة حيثما كانت.

يا موضي يا أمي، لتغطي رحمة الله الواسعة روحك الطيبة، ولتعلمي حتى وأنت في دار آخرتك، أن ولدك، وكما تعلمين، صار مهندساً، وصار كاتباً أيضا، لكن طالب ما زال ذاك الطالب الذي يصيخ السمع لكلماتك، ولا يزال ذاك الطالب الذي يطيع كلماتك، ولا يزال ذاك الطالب المخلص لك ولبيتك وأبنائك وأهلك، ولا يزال وسيبقى يحملك في خفق قلبه حرزاً يحمي خطوه ويضيء عتمة دربه.

لأمي، لنساء العالم كل الحب والأماني العطرة في يوم الأم، يوم الحياة.

back to top