أميركا تخاطر ببقائها خارج القضية السورية

نشر في 20-03-2018
آخر تحديث 20-03-2018 | 00:05
 المونيتور بعد سبع سنوات من الحرب، تُعتبر مستلزمات عملية إعادة إعمار سورية مهولة، فتبلغ كلفة إعادة بناء هذا البلد 250 مليار دولار، وفي حين كانت هذه الكلفة تتراكم، عانت سورية تراجعا في اقتصادها بالقدر عينه منذ بداية الصراع.

فضلاً عن التحذيرات الحالية، لطالما فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على سورية، منها حظر الولايات المتحدة أي استثمارات جديدة في هذا البلد، ونتيجة لذلك عمدت مؤسسات مالية دولية أساسية، منها البنك الدولي، إلى تجميد عملية إعادة إعمار سورية، مع أنها تحذّر من مغبة تأخير هذه العملية.

صحيح أن بعض الصقور الأميركيين ينادون علانية بالمضي قدماً بالحرب في سورية بغية "مواصلة استنزاف" حليفة نظام الأسد إيران، من دون أي تفكير في كلفة ذلك بالنسبة إلى المدنيين، إلا أن آخرين قدموا حججاً أخلاقية تؤيد فكرة عدم إقامة أي روابط مع النظام.

لكن تقريراً صدر في شهر ديسمبر عام 2017 عن مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي يؤكد: "ستشكّل المقاربة التنازلية إلى عملية إعادة الإعمار هدراً شبه كامل لأموال المنح، والقروض، والاستثمارات، ففساد النظام وعدم كفاءته واضحان على نحو لا يقبل الجدل، أما الاقتصاد السياسي الذي بناه النظام، فقد مهد الدرب أمام الانتفاضة التي بدأت في شهر مارس عام 2011".

بدلاً من ذلك، تقترح الدراسة تركيز جهود إعادة الإعمار على مناطق تقع خارج سيطرة الحكومة، وخصوصاً في أجزاء البلد التابعة للسيطرة الكردية. صحيح أن هذه المقاربة قد تبدو جذابةً للواهبين الغربيين، إلا أنها لن تعود بأي فائدة على قلب سورية المدمر على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. على سبيل المثال، تقع حلب وحمص، ثاني وثالث أكبر مدينة في البلد، داخل المنطقة الخاضعة راهناً لسيطرة النظام.

دفعت النكسات التي مُنيت بها المعارضة بعض الخبراء إلى الاستنتاج أن على القوى الغربية أن تعض على جرحها وتتعاون مع الأسد إلى حد ما، وقد أصدرت مؤسسة راند الفكرية، التي تقدّم النصائح للحكومة الأميركية، تقارير عدة في هذا المجال تتضمن خلاصات مختلفة قليلاً.يذكر جيمس دوبنز، الذي يترأس قسم الدبلوماسية والأمن في مؤسسة راند: "يجب تقديم حجج تروّج لنشر الديمقراطية إلى حد ما على مستوى الشعب، لا أعرف إلى أي مدى قد يقبل النظام بحدوث ذلك، لكن تقديم عملية إعادة إعمار مشروطة بخطوة مماثلة قد يمنحه حافزاً للقبول به"، ويضيف موضحاً أن مقاطعة عملية إعادة الإعمار لن تحقق أي هدف غير تقوية خصوم الولايات المتحدة، مثل إيران والولايات المتحدة. ويشير دوبنز: "ما دامت الحرب الأهلية مستمرة، ستبقى روسيا وإيران حليفين أساسيين للأسد ونظامه وستتمتعان بنفوذ كبير، ولكن إذا انتهت الحرب، لا تعودان كذلك، وسيبحث النظام عن طرق للحد من نفوذهما واستعادة مقدار معين من الاستقلال الذاتي".

وهنا تستطيع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى تأدية دور مثمر، حسبما يشدد، في المقابل، سيؤدي ترك الساحة لإيران وروسيا إلى تعزيز الخلل في نظام سورية الاقتصادي المجحف أساساً.

تصوِّر الإحصاءات التجارية الشرق الأوسط على أنه إحدى المناطق الأقل تكاملاً تجارياً في العالم، لكن السوق السوداء المزدهرة ومبيعات النفط والغاز إلى العالم الخارجي تحدثان خللاً في هذه الأرقام. تبلغ التجارة بين الدول العربية 9%، إلا أن الرقم الفعلي يصبح عند إخراج النفط من المعادلة 60% تقريباً، وفق عبدالله الدردري، الذي تبوأ منصب وزير التخطيط في الحكومة السورية ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية قبل انتفاضة عام 2011.

"إذاً، هذه المنطقة أكثر تكاملاً مما نظن، مما يجعل التكامل الطريقة الوحيدة للمضي قدماً"، حسبما أكّد الدردري، الذي صار اليوم مستشاراً بارزاً لشؤون إعادة الإعمار في فرع الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا من البنك الدولي، خلال حدث نظمه معهد الشرق الأوسط حول التعاون الإقليمي قبل أيام. الفوائد التي ستجنيها سورية واضحة: يوضح الدردري أن إعادة بناء محطة الطاقة في حلب التي تُنتج ألف ميغاواط سيستغرق خمس إلى ست سنوات، إلا أن استجرار الطاقة من شبكة الكهرباء التركية عبر الحدود سيكلف نحو خمسة ملايين دولار.

يسعى العراق خصوصاً إلى إقامة روابط إقليمية أكثر متانة بعد موجة العنف التي شهدها في السنوات القليلة الماضية. وبرعاية معهد الشرق الأوسط في شهر ديسمبر، وقّع مشاركون من تسع دول، منها سورية والعراق، إعلان مبادئ حسن الجوار للشرق الأوسط، الذي يدعم "تلاقي البنى التحتية، والتنظيمات، والسياسات الإقليمية".

بلغت التجارة بين سورية والعراق خمسة مليارات دولار سنوياً عام 2010، وفق الدردري، وترتبط الموصل خصوصاً، التي حُررت من قبضة "داعش" الصيف الماضي بكلفة عالية من دماء العراقيين والأموال الأميركية، ارتباطاً وثيقاً بحلب بما أنهما المدينتان الكبريان الوحيدتان اللتان ازدهرتا في المنطقة مع أنهما ليستا عاصمة سياسية لبلديهما أو مركزاً دينياً. يختم الدردري: "يجب أن تأخذ أي عملية إعادة بناء لهاتين المدينتين هذا الماضي في الاعتبار، فضلاً عن تطلعها إلى المستقبل".

* جوليان بيكت

* «المونيتور»

back to top