أيقونة المعارضة في روسيا الروائية لودميلا أوليتسكايا: بوتين لا يهتمّ بالأدب!

نشر في 19-03-2018
آخر تحديث 19-03-2018 | 00:02
حظيت لودميلا أوليتسكايا منذ روايتها الأولى Sonietchka، التي نشرتها قبل 20 عاماً، بإعجاب الروس. وتُعتبر أول امرأة حازت جائزة الأدب الروسي الأكثر عراقة، وتُرجمت أعمالها إلى 40 لغة. كذلك تعد أكثر الكتاب الروس قراءة في الخارج عموماً وفي فرنسا خصوصاً. قبل أن تسافر إلى باريس لتشارك في «صالون الكتاب»، حيث ستقدّم روايتها الأخيرة l’Echelle de Jacob «سلّم يعقوب» (بمعزل عن الوفد الرسمي)،
أجرت أيقونة معارضة بوتين هذه المقابلة في موسكو مع مجلة «L’Obs» في شقتها المضاءة حيث تعيش مع النحات أندري كراسولين.
اختار «صالون الكتاب» في باريس روسيا ضيفة الشرف. لكنك لن تشاركي في الوفد الرسمي الذي انتقاه المسؤولون في هذا البلد. لمَ قرروا استبعادك؟

لا أعرف السبب. لكنني أفترض أنني لا أحظى بحب بعض الشخصيات المسؤولة التي تدرك على الأرجح أنني أنا أيضاً لا أقدّرها كثيراً...

لا بد من الإشارة إلى أنك كنت في عام 2012 ضمن من تولوا إدارة «رابطة القراء» التي نظّمت حركات الاحتجاج ضد بوتين. ونددت بعد سنتين بضم القرم...

ممكن. لكن اللائحة الرسمية لم تشمل أيضاً اسم كاتبين آخرين واسعي الشعبية، هما بوريس أكونين وفلاديمير سوروكين اللذان يخوضان صراعاً ضد السلطة. بكلمات أخرى، من الجلي أن القرار لم يعُد إلى موظف بسيط في وزارة الثقافة، بل إلى مسؤولين أعلى منه شأناً بكثير في الكرملين بالتأكيد.

الوطنية

حيث تُعتبرين «عدو الوطن»...

نعم، في أفضل الأوقات! لا نتشاطر المفهوم عينه عن الوطنية... تشكّل الوطنية في رأيي الحب الطبيعي للمكان الذي وُلدتُ وترعرعتُ فيه. لكنها تمثّل اليوم للنظام ولروس كثيرين للأسف حب الإمبراطورية... نسهم في وطننا في العودة إلى القيم الأكثر قدماً.

في «صالون الكتاب» الذي دعاك إليه ناشر أعمالك، ستقدّمين رواية l’Echelle de Jacob (سلّم يعقوب): ملحمة عائلية فيها نوع من السيرة الذاتية تبدأ أحداثها في عام 1911 قبل الثورة وتنتهي في عهد بوتين. من أين استلهمت هذه الفكرة؟

من مراسلات جدي التي كانت مخبأة في صندوق واكتشفتها أخيراً. أنار هذا الاكتشاف دربي. لما كنت درستُ علم الوراثة، فإنني أعشق طريقة نقل الشخصيات وتأثير المكان. عندما قرأتُ الرسائل المكتوبة منذ عقود، شعرتُ جسدياً بما يربطني بجدي، ذاك الذي بالكاد أذكره، وبأسلافي من قبله. شكّل هذا النور مصدر إلهام كبيراً لي.

روسيا اليوم

خلال الفترة التي تغطيها روايتك بين عام 1911 وعصرنا الراهن، كيف تبدّلت روسيا والروس؟

أجيبك بصفتي كاتبة وعالمة وراثة. خلال السنوات المئة الماضية، شهدنا عملية انتقاء أعتبرها سلبية. دمرت السلطة شرائح كاملة من الشعب، تتمثّل في الطبقة الأرستقراطية وغالبية رجال الدين والمثقفين. ثم قضت على المزارعين الأكثر مهارة، والأكثر غنى، والأكثر اجتهاداً، أولئك الذين ندعوهم «كولاك».

طاول القمع أيضاً كل مَن يفكرون بطريقة مستقلة، الأرواح الحرة، والشخصيات البارزة، وكل مَن يتمتعون بحس كرامة واضح. خلال الأجيال الخمسة هذه، لم ينجُ سوى مَن يملكون غريزة بقاء قوية وكانوا مستعدين للتضحية بالمبادئ كافة. كُتبَت ملايين رسائل الاتهام، ولم توجَّه ضد الجيران أو زملاء العمل فحسب، بل أيضاً ضد أفراد العائلة الواحدة. أحدث هذا كله ضرراً كبيراً في الشعب الروسي. ونحتاج إلى أجيال لنصلح السوء الذي أنزلته السلطة السوفياتية بشعبها الخاص. ربما تستغرق هذه العملية فترة أطول لأننا لم نشهد بعد انهيار الشيوعية عام 1991 أية تنقية، فلم تتبدل الطبقة الحاكمة في جزء كبير منها.

هل ظننتِ نحو أواخر 2011 ومطلع 2012، حين عمّت الشوارع التظاهرة الكبرى المناهضة لبوتين، أن النظام ربما ينهار؟

كلا، لم أعتقد ذلك. إلا أن ما شدّني كان جو الشباب الفرح الإيجابي. ولكنه سرعان ما خُنق. اعتُقل عدد من المتظاهرين السلميين بالكامل، كانوا أولاداً، وصدرت في حقهم أحكام سجن طويلة.

إذاً، هل خلا عهد بوتين من كل ما هو إيجابي؟

كلا بالتأكيد. عايشتُ عهد ستالين في طفولتي وأُرسل والدي إلى المعسكرات. الوضع اليوم مختلف تماماً. يُظهر واقع أنكم استطعتم المجيء إلى هنا إلى منزلي وأننا نتحدث عن شتى المواضيع وأنني لن أُعتقل بعد رحيلكم على الأرجح... أن السلطة اليوم تختلف تماماً عن نظام ستالين وأنها أقل تعطشاً للدم مقارنة به. تعشق السلطة راهناً المال أكثر من العقيدة. لذلك، تُعتبر أقل خطورة بكثير من نظام ستالين. قال الشاعر جوزيف برودسكي: «يبدو لي اللص أفضل من مصاص الدماء». وأوافقه الرأي.

ما كان تأثير ضمّ القرم في عام 2014 في المجتمع عموماً وفي الفنانين خصوصاً؟

أظهر أن جزءاً كبيراً من الروس يحنّ إلى الإمبراطورية. أحدث هذا الوضع شرخاً بين هذه الغالبية وبين الأقلية الرافضة. انتهت علاقات صداقة كثيرة وتقطعت أواصر عائلات عدة أعرف بعضها. صحيح أن هذه الجراح بدأت تلتئم، إلا أن الوضع في القرم ما زال كارثياً. أعشق تلك الأرض. ومن المحزن جداً أن أراها تُجفَّف وتُبتلى بالفقر مجدداً.

رقابة ومكانة

مع أن ستالين وأسياد الاتحاد السوفياتي عموماً أولوا الأدب والأدباء أهمية كبرى، يبدو أن بوتين لا يعبأ بهما. ما السبب في رأيك؟

سؤال مهم جداً. لما كانت القوة السوفياتية أُسست على العقيدة، فإنها صبّت اهتمامها على الإنتاج الفني. نتيجة لذلك، تعرّض السينمائيون أمثال آيزنشتاين أو الكتّاب أمثال بولغاكوف، أو باسترناك، أو برودسكي لضغوط كبيرة من السلطات. ولكن لما كانت السلطة الحالية لا تعلّق أهمية كبيرة على العقيدة، فلا تحاول التحكّم في الأدب أو تبقى محاولاتها محدودة.

إذاً، لا تخضعون لرقابة.

بلى، خصوصـــــــاً في وسائـــل الإعـــــــــلام، لا سيما المرئية منها والمسموعة. نتيجة لذلك، باتت هذه الوسائل مفروضة فرضاً وغبية. لكن الوضع مختلف مع الأدب. لم أبدّل مطلقاً كلمة في نصوصي بسبب الرقابة...

أين أصبحت مكانة الكاتب في المجتمع اليوم، علماً بأنه كان مبجلاً سابقاً؟

تراجعت كثيراً. قبل بضعة عقود، شغل تشيخوف، وتولستوي، ودوستويفسكي، وباسترناك، وسولجنيتسين مكانة بالغة الأهمية. ولكن طغى عليهم تدريجياً فنانون أمثال الشاعر فيسوتسكي أو أوكوجاوا، وبعدهم مخرجون وموسيقيون آخرون.

لم أعد أحب دوستويفسكي

قالت لودميلا أوليتسكايا أخيراً: «أُعيد قراءة تشيخوف وتولستوي مراراً، إلا أنني لا أعود مطلقاً إلى دوستويفسكي». لماذا؟ توضح: «لأنني ما عدتُ أحبه. عشقته حين كنت شابة. لكنني أعتقد اليوم أنه أدخل أمراً مريعاً إلى الأدب: شرّع الشر ووافق عليه إلى حد ما. ذكر أن كلاً منا، على غرار راسكولنيكوف في رواية «الجريمة والعقاب»، يستطيع قتل امرأة مسنة. وهكذا محا الحد الفاصل بين الخير والشر. ثم تحوّل هذا المعادي القوي للسامية إلى منادٍ بالمسيحية الروسية والأرثوذكسية».

لم أبدّل مطلقاً كلمة في نصوصي بسبب الرقابة
back to top