علي حسين: الفلسفة استجابة ذهنية نحتاج إليها

«القارئ يبحث عن الأدب الغربي»

نشر في 18-03-2018
آخر تحديث 18-03-2018 | 00:02
تاريخ التطوّر البشري في صميمه فلسفي، ونشأة العلم وسيادة التكنولوجيا في أيامنا هذه ما كان لها أن تكون لو لم تسبقها الفلسفة. وفي حين تسود الأفكار السقيمة وتهيمن التحليلات السطحية على الفضاء الثقافي في التعاطي مع التطورات المُتلاحقة وتنامي التطرف، يحتمُ الموقف الاهتمام بما يخلص الفكر من حالة الاحتقان والركود، ولعلَّ العودة إلى الفلسفة في هذا التوقيت إجراء لا بُدَّ منه إذا أردنا إيجاد المساحات لمطارحات فكرية بدلاً من حملات التكفير والتزندق، ولا ينفصلُ ذلك عن قيام المثقفين بوظيفتهم الأساسية المُتمثلة في صناعة الأسئلة بوصفها تقوي الفكر على حد قول هديغر.
يحاولُ الكاتبُ والصحافي العراقي علي حسين من خلال مؤلفاته، لا سيما «في صحبة الكتب» و«دعونا نتفلسف» الصادرين أخيراً عن دار «أثر السعودية»، تغذية فضيلة التفكير لدى القارئ من خلال تقديم تجاربه مع مشاهير الأدب والفن وسرد قصته في متابعة أطروحة الفلاسفة، بدءاً من هيراقلطس مروراً بديكارت وكانط وصولاً إلى سارتر وكامو.
«الجريدة» حاورت علي حسين، المثقف الذي
لا يتآنس إلا مع الكتب، حول مشروعه المقبل والدافع وراء سرد خبرته مع أعلام الفكر والأدب.
في كتابك الصادر حديثاً «دعونا نتفلسف» تتناول حياة أقطاب الفلسفة الغربية إلى جانب ما قدموه من أفكار وأطروحات مُتباينة. هل الغرض من العودة إلى الفلسفة محاولة لتكريس ثقافة الاختلاف؟

هي ليست عودة بقدر ما هي تذكير بأهمية الفلسفة في حياتنا، وكيف يجب علينا أن نتّخذ موقفاً نقدياً من الحياة والمجتمع. صحيح أن الإنسان ليس فيلسوفاً بالفطرة، وإنما هو فيلسوف عندما يجد ما يدعوه إلى التفلسف. فالفلسفة كما قرأنا عنها في الكتب هي استجابة ذهنية، مثلما الشعر استجابة وجدانية. بعبارة أوضح، ليست الفلسفة سوى تلك المحاولة التي يُراد بها معرفة الكون والإنسان. وكما نعرف، ومثلما قرأنا في الكتب، فإن الفلسفة هي التي حدّدت ملامح التاريخ المعاصر للإنسان، ويمكننا أن نقول إن تاريخ التطوّر البشري في صميمه فلسفي، ونشأة العلم وسيادة التكنولوجيا في أيامنا هذه ما كان لها أن تكون لو لم تسبقها الفلسفة، ولم نعرف ما الذرة والصاروخ والصعود إلى القمر لولا السؤال الذي ألقاه الحكيم اليوناني طاليس «ما الوجود؟». كلمة الفلسفة، كما يقول هيدغر، مكتوبة على شهادة ميلاد أوروبا والغرب عموماً، وفي استطاعتنا أن نقول إنها مكتوبة على شهادة ميلاد عصرنا الذي نسميه عصر الروبوت، ونحن بحاجة إلى الفلسفة في حياتنا.

حاولت في «دعونا نتفلسف» أن أقدِّم الفلسفة بلغة مبسطة غير معقّدة يفهمها الجميع، وما دمنا جميعاً نفهم أقوال أرسطو وسارتر ونيتشه من دون معاناة أو تعقيد، وإن ما كتبوا لم يكن كلاماً مبهماً، بل كان فكراً واضحاً. ولهذا وجدت أن من واجبي أن تصل أفكار الفلاسفة إلى أكبر عدد من القراء العاديين، وليس فقط إلى أساتذة الفلسفة، ومرتادي النوادي الثقافية.

قلت في مقدمة الكتاب إنني حاولت أن أتسلى مع الفلسفة، ولكن هذا لا يعني أنني لم أكن أريد أن أطرح أفكاراً مهمة ومختلفة للقارئ... ولهذا تجدني ركزت على الفلاسفة الذين أثاروا الكثير من الأسئلة والنقاشات.

التراث الفلسفي العربي

لماذا غاب التراث الفلسفي العربي عن مشروعك ولا يجد القارئ إلا إشارات بسيطة لبعض الفلاسفة العرب في «دعونا نتفلسف» و«في صحبة الكتب» أيضاً؟

سؤال مهم. غالبية ثقافتنا غربية... والقارئ يبحث عن الأدب الغربي أو الفلسفة الغربية، ومع هذا أنا تحدّثت عن بعض التجارب العربية مثل تجربة طه حسين وسلامة موسى والفارابي وتوفيق الحكيم، كذلك شذرات عن المتنبي... لكنها بالتأكيد غير كافية. راهناً، تفرّغت لإنجاز كتاب بعنوان «متمردون... 25 مفكراً عربياً لم يؤثروا في حياتنا»، سأتناول فيه شخصيات أبرزها: ابن عربي، وابن خلدون، وسلامة موسى، والزهاوي، وابن سينا، وابن رشد، وشبلي شميل، وعبد الرحمن بدوي، والرازي، والكندي، وأبو حيان التوحيدي... العنوان ربما مستفز، والقصد من عبارة «لم يؤثروا في حياتنا أننا تركنا هؤلاء خلف ظهورنا ولم ننتبه إلى ما قدموه من منجز كبير للثقافة الإنسانية.

تقدِّم في مشروعك الذي يرصد حصاد قراءاتك نماذج فلسفية وأدبية مُتعددة مع الإفاضة في الحديث عن حياة هؤلاء. هل أردت بذلك تأكيد دور الخبرات الحياتية وانعكاساتها في مضامين النصوص الأدبية والفلسفية؟

أحاول المزج بين الحياتين الشخصية والإبداعية، وكنت تأثرت كثيراً بكتابات هنري ترويا لسيرة الأدباء الروس. هذه الطريقة في رأيي تكشف للقارئ كيف أن حياة الإنسان الاجتماعية تحدِّد مصيره وما هي تأثيراتها في إنتاجه... وأجد أن أدب السيرة مهم لأنه يكشف دواخل المبدع ونوازعه، ويدلنا على الطريق الذي خرجت منه الأعمال الإبداعية العظيمة... وهذه الطريقة أجدها مرغوبة عند القارئ الذي يريد أن يكتشف أسرار عملية الإبداع سواء في مجال الرواية أو الفلسفة أو العلوم أو الفن.

من أين جاءت فكرة تأليف الكتابين حول ما تراكم لديك من زاد معرفي وهل سيلي «دعونا نتفلسف» كتاب جديد؟

ارتبطت حياتي منذ سنوات طويلة بالكتب. عملت وأنا لم أتجاوز العاشرة من عمري بعد في مكتبة، وامتدّ الأمر نحو 30 عاماً أو أكثر، وكنت كل يوم أعيش وسط أبطال دستويفيسكي، وغائب طعمة فرمان، وبلزاك، وجين أوستين، ومئات الكتّاب والفلاسفة والرسامين ممن تتكدّس كتبهم على الرفوف. وفي كل يوم أسأل نفسي كيف استطاع هؤلاء أن يبقوا خالدين عبر العصور؟ وبسبب حبي للكتاب حاولت أن أقدِّم تجربتي في القراءة للآخرين. حين طرحت الفكرة على الزملاء في الصحيفة شجعوني على الكتابة وبدأتُ بنشر حلقات من «في صحبة الكتب» التي لاقت استحساناً من القراء. ثم قرر أحد الناشرين المجازفة، فجمع المقالات وطبع الكتاب الذي لم أتوقع أن يحظى بالاهتمام، إذ نفدت منه الطبعتان الأولى والثانية، والآن ستوزع الطبعة الثالثة. وأعتقد أن «دعونا نتفلسف» حظي بالاهتمام أيضاً... قريباً يصدر لي كتاب بعنوان «ماذا علمتني الكتب»، وهو أشبه بيوميات داخل المكتبة التي عملت فيها ومحاولة لاستعادة أول الكتب التي قرأتها.

«مقدمة ابن خلدون»

لما كان علي حسين قرأ كتباً كثيرة ومرّت عليه عناوين متنوعة، فما الكتاب الذي يعتقد أن قراءته ضرورية في هذا التوقيت؟ يقول في هذا الشأن: «أتمنى إعادة قراءة «مقدمة ابن خلدون»، وأن تدرّس في المدارس والجامعات لأنها تسلّط الضوء على طبيعة مشاكلنا. ومثلما أعتبر ابن خلدون مرآة نرى من خلالها دواخلنا، أتمنى أيضاً أن نقرر كتب علي الوردي في منهاج الدراسة لأنها تضع الإنسان العراقي إزاء نفسه، وهذا أمر مهم في المرحلة الحاضرة».

الفلسفة حدّدت ملامح التاريخ المعاصر للإنسان
back to top