أهداف بوتين من حملة مكافحة الفساد

نشر في 17-03-2018
آخر تحديث 17-03-2018 | 00:00
على الرغم من عدم وجود تحديات جدية أمام بوتين فإن المطلعين على بواطن الأمور يقولون إن الكرملين يسعى بصورة يائسة الى حصول الرئيس على ما لا يقل عن 70 في المئة من الأصوات بغية تأكيد شرعيته.
هل يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحملة حقيقية ضد الفساد أم أنها مجرد استعراض يسبق الانتخابات الروسية المقبلة؟

قبل فجر أحد أيام شهر فبراير الماضي داهمت قوة مسلحة من خدمة الأمن الروسية المعروفة باسم «إف إس بي» قصر رئيس حكومة داغستان عبدالصمد جاميدوف الذي عينه الكرملين في ذلك البلد، واكتشف رجال الأمن بعد تفتيش القصر وجود كمية كبيرة من الأموال والساعات الفاخرة والفراء النادرة إضافة إلى مسدس مطلي بالذهب، وقد حفر عليه أول ثلاثة حروف من اسم رئيس الوزراء الداغستاني.

واعتقلت قوات الأمن جاميدوف مع اثنين من نوابه وكبار المسؤولين واتهمتهم باختلاس أموال الدولة، فكانت عملية الاعتقال جزءا من حملة قمع استهدفت شريحة من مسؤولين فاسدين، وفي شهر ديسمبر الماضي أودعت السلطات الروسية وزير الاقتصاد أليكسي يوليوكاييف السجن وحكمت عليه ثمانية أعوام بتهمة حصوله على رشوة بمليوني دولار من إيغور سيشن وهو رئيس شركة روسنفت النفطية الروسية، وقد زعم يوليوكاييف الذي كان أول وزير يعتقل في روسيا منذ سنة 1953 أنه كان ضحية «مكيدة قاسية ومرعبة».

وبعد عدة أشهر أصدرت محكمة روسية حكماً بالسجن على حاكمين إقليميين هما نيكيتا بيليخ وألكسندر خوروشافين بتهمة تلقي رشوة، وزعمت السلطات وجود مبلغ 1.7 مليون دولار في منزل خوروشافين إضافة الى كمية من المجوهرات الفاخرة بما في ذلك قلم حبر مرصع بالماس يساوي أكثر من 600 ألف دولار. ولم يكن التوقيت مجرد مصادفة، وبعد وقت قصير جداً سينتخب الروس رئيساً للبلاد، ويشعر بوتين بثقة تامة في الفوز في هذه الانتخابات والاستمرار في الحكم ستة أعوام أخرى.

رأي المحللين

ويقول محللون إن التهم التي وجهت الى مسؤولين في جمهورية داغستان كانت جزءا من جهود الكرملين الرامية الى تشديد قبضته على الإقليم المضطرب، ولكن الاعتقالات الجماعية هناك والتي رافقها صدور أحكام قاسية بالسجن على يوليوكاييف والحاكمين الإقليميين سمحت لبوتين أيضاً بتحسين صورته في محاربة الفساد قبل موعد الانتخابات.

وتجدر الإشارة الى أن بوتين يتمتع بمعدلات موافقة عالية على أدائه في الحكم، كما أن استطلاعات الرأي تظهر أن الشعب الروسي بصورة عامة لا يحمله مسؤولية المشاكل الاجتماعية في البلاد مثل ازدياد معدلات الفقر، وعلى الرغم من ذلك فإن الفساد يشكل أحد الجوانب السلبية القليلة بالنسبة الى زعيم الكرملين.

وأشار استطلاع للرأي أجراه في العام الماضي مركز ليفادا وهو المركز الوحيد المستقل لاستطلاع الآراء في روسيا أشار الى أن 67 في المئة من الروس يحملون بوتين مسؤولية النسبة العالية من الاحتيال والاختلاس في البلاد والتي تكلف عشرات المليارات من الدولارات في كل سنة، وقال نحو 80 في المئة إنهم يعتقدون أن الحكومة الروسية متورطة إما بصورة «تامة» أو بنسبة بارزة في الفساد.

وقد شعر الناس بالغضب، وشهدت الأشهر الأخيرة زيادة حادة في الاحتجاجات في شتى أنحاء روسيا، بحسب مركز الإصلاح الاقتصادي والسياسي وهو مركز تفكير يتخذ من موسكو مقراً له، وقال مركز تفكير في شهر نوفمبر الماضي من عام 2017 إن «الفساد هو أحد الأسباب وراء الارتفاع في النزاعات الاجتماعية والاحتجاجات ذات الصلة بالعمل».

عوامل ضعف بوتين

وما زاد من ضعف موقف بوتين كان القدر الكبير من التحقيقات التي أجراها أليكسي نافالني وهو ناقد بارز للكرملين، وحتى الآن شاهد أكثر من 26 مليون شخص مقطعاً مصوراً «أون لاين» نشرته مؤسسة نافالني ضد الفساد يزعم وجود اختلاسات واسعة من جانب ديمتري ميدفيدف رئيس الوزراء الروسي.

وهذا المقطع المصور الذي نشر في شهر مارس سنة 2017 أفضى أيضاً الى احتجاجات متكررة شملت شتى أنحاء البلاد وأدت الى اعتقال أكثر من 1500 شخص في السنة الماضية، ويقول إيليا شومانوف وهو نائب مدير الفرع الروسي للمنظمة العالمية لمكافحة الفساد للشفافية الدولية «إن من الأهمية بمكان بالنسبة الى السلطات أن تظهر دورها كلاعب رئيس في المعركة ضد الفساد، وتحاول هذه السلطات أن تثبت أنها تقوم باجراءات في هذا الصدد».

وقد أصبح هذا الهدف أكثر إلحاحاً قبل الانتخابات المقبلة، وعلى الرغم من عدم وجود تحديات جدية أمام بوتين فإن المطلعين على بواطن الأمور يقولون إن الكرملين يسعى بصورة يائسة الى حصول الرئيس على ما لا يقل عن 70 في المئة من الأصوات بغية تأكيد شرعيته. ويقول عباس غالياموف وهو مستشار سياسي للكرملين إن «السلطات الروسية تفهم الحاجة الى تحقيق أعداد كبيرة من النقاط السياسية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة».

بواعث قلق الكرملين

وهذه ليست المرة الأولى التي تشعر فيها السلطات بقلق إزاء ازدياد معدلات الفساد، وكيف أنه يترك الحكومة عرضة للانتقاد. وفي 2011 و2012– على سبيل المثال– نزل الناس الى الشوارع في العاصمة موسكو للاحتجاج على مزاعم بحدوث تزوير في الانتخابات لمصلحة حزب بوتين الحاكم، وركزت تلك المظاهرات التي استمرت حتى عام 2013 بصورة لافتة على مزاعم عن وجود فساد في أوساط النخبة في الكرملين.

وعلى أي حال فقد هدأت موجة الاحتجاجات خلال عملية ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في سنة 2014 من أوكرانيا عندما اجتاحت موجة من القومية البلاد وأفضت الى وصول الموافقة على أداء بوتين الى مستويات قياسية.

ولكن ذلك النشاط هبط ثانية واضطر المسؤولون في الكرملين الى التفكير من جديد في كيفية معالجة مشاعر الغضب من الفساد، ويقول غاليموف إن الحل تمثل يومها في «اعتقال عدد من المسؤولين الاقليميين واصدار أحكام عليهم بالسجن لفترات طويلة».

ولكن محاولة الكرملين التي هدفت الى إقناع الروس بجدية وصدق الحملة ضد الفساد حققت نجاحاً محدوداً، وتشير استطلاعات الرأي الى أن عدداً كبيراً من المواطنين الروس يعتقدون أن محاكمة المسؤولين الحكوميين جرت إما من قبيل الاستعراض أو نتيجة صراع داخلي فقط.

ومع اقتراب موعد الانتخابات يعرض نافالني الكرملين الى مزيد من الضغوط، وفي شهر فبراير الماضي اتهم أولغ ديريباسكا من الطبقة المرتبطة بالكرملين بتقديم رشوة الى سيرغي بريخودكو وهو نائب لرئيس الوزراء في اجتماع تم بينهما، ولم ينكر ديريباسكا ذلك اللقاء ولكنه وصف اتهامات الرشوة بالمزاعم «المشينة».

وبعد نحو أسبوع على اتهاماته ضد ديريباسكا اتهم نافالني الرئيس بوتين بتحقيق ثروة من خلال ارتدائه ساعات فاخرة تساوي 639 ألف دولار، ولم يعلق الكرملين على تلك الاتهامات، وعلى أي حال قامت الشرطة الروسية في 19 فبراير الماضي باعتقال رومان روبانوف وهو شخصية رئيسة مرتبطة بمنظمة نافالني لمكافحة الفساد واتهمته بتنظيم احتجاجات غير مشروعة.

وتجدر الإشارة الى أنه بالنسبة الى نقاد الكرملين كانت هذه التطورات برهاناً جديداً على أن حملة محاربة الفساد كانت خطة هدفت الى تحسين صورة الرئيس بوتين قبل موعد الانتخابات المقبلة، وتقول دعابة في الأوساط الروسية «إن السلطات في روسيا لا تحارب الفساد بل أولئك الذين يكافحونه».

أليكسي نافالني اتهم بوتين بتحقيق ثروة بسبب ارتدائه ساعة فاخرة تساوي 639 ألف دولار
back to top