«تويتر»... نكسة العرب الجديدة!

نشر في 15-03-2018
آخر تحديث 15-03-2018 | 00:19
 عبدالمحسن جمعة كانت ومازالت الأمة العربية تعاني قلة الاطلاع – القراءة - ونسبة تأليف الكتب والترجمات وخلافه من مظاهر الثقافة العامة، التي تؤثر على تطور المجتمعات العربية وقدرتها على الابتكار والنمو، وبينما كانت بعض الجهات التربوية والثقافية في العالم العربي تبذل مجهوداً لمعالجة تلك السلبية الكبيرة المؤثرة في بلداننا، ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية لتوجه ضربة مؤثرة لتلك الجهود.

ثقافة الإنترنت الحالية لا يمكنها أن تعوض القراءة الجدية للكتب والصحافة الورقية التي كانت تسد جزءاً مهماً من نقص الاطلاع والثقافة لدى العامة، وتوجيه الرأي العام، أو التعبير عنه حتى في ظل كبت الحريات السائد في الدول العربية.

والمؤسف حالياً أن غالبية الجيل العربي الحالي يتفاخرون بأنهم لا يقرأون الصحف الورقية، ويعتمدون على "تويتر" ووسائل تواصل اجتماعي أخرى لتلقي ثقافتهم والمعلومة، بينما تقول دراسة علمية نشرتها جريدة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي إن 70 في المئة من الأخبار والمعلومات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي ملفقة أو كاذبة.

كما أن قدرات أجهزة الاستخبارات في توجيه الناس أصبحت أكبر، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يسمى بـ "الذباب الإلكتروني"، وهو ما استطاع من خلال كتائب إلكترونية على "فيسبوك" و"تويتر" من الاستخبارات الروسية أن يضلل الناخبين الأميركيين، ويشوه مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، ويجعل شخصاً بمواصفات دونالد ترامب يفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو ما لم يكن يحلم به في عصر الرزانة ووسائل الإعلام التقليدية السابقة.

ورغم ذلك فإن الصحافة التقليدية في نيويورك وواشنطن وباريس ولندن وطوكيو ومعظم الدول النامية مازالت محترمة ومقدرة للحصول على الخبر المهني الصادق، والتحليل العميق للأحداث، والتحقيق الصحافي العلمي والرزين، بينما أصبح الوضع عندنا معكوساً، فأصبحت الأغلبية تستقي الأخبار من منصات تواصل اجتماعي غير معلوم مصدرها ومدى مهنيتها ومصداقيتها، وأصبح البعض لدينا يعتقد أن الثقافة يمكن تحصيلها من بضع كلمات من "تويتر" أو فانشستات "سناب شات"!

نعم إن الربيع العربي أطلقته منصات "فيسبوك" و"تويتر"، لكنها بعد ذلك دمرته نفس الوسائل الإلكترونية التي منحت المتطرفين وسائط للتواصل مع الشباب حول العالم لينشئوا الجماعات الإسلامية المتشددة التي جعلت الطغاة وأعوانهم ينقضون على السلطة مرة أخرى بذريعة محاربة الإرهاب، وها هو "الذباب الإلكتروني" لاستخبارات الطغاة يتلاعب بالرأي العام ويضلله.

بلاشك الصحافة العربية تغيرت وأصبح الحر منها نادراً، وخضعت غالبيتها لأصحاب النفوذ والأجهزة الحكومية، التي سعت دائماً للسيطرة عليها وترويضها، ولكنها مازالت السلطة الرابعة الأكثر مهنية رغم ما تعانيه من تحديات، لأن وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية هي مصيبة ونكسة جديدة على العرب، لأنها ستزيد مشكلة القراءة والاطلاع عند أجيالنا القادمة.

***

صدمت عندما تابعت مقابلة تلفزيونية قديمة لوزير إعلام كويتي أسبق يقول فيها إن قراءة الصحف الكويتية تسبب الاكتئاب، وإن مقولة "الصحافة هي السلطة الرابعة" هي "خرطي"، والحقيقة أنني بعدما تابعت لقاءه التلفزيوني أحسست بأن كل ما شاهدته في حلقته كان "خرطي"، وأسفت على أن شخصاً مثله كان مسؤولاً عن الإعلام والثقافة يوماً ما في بلدي!

back to top