مطلوب سيزيف وليس سيفوه

نشر في 13-03-2018
آخر تحديث 13-03-2018 | 00:22
 حسن العيسى الدولة بحاجة إلى سيزيف يدفع صخرتين لأعلى الجبل، وإذا تدحرجتا للأسفل يعود مرة ثانية وثالثة ورابعة يدفعهما للقمة، دون نهاية ودون يأس. صخرتان واحدة اسمها محاربة الفساد، والثانية اسمها إصلاح التعليم، ومن دون حل أي من القضيتين يصبح كل الكلام عن التنمية والإصلاح الاقتصادي والسياسي حديثاً فارغاً وبيع أحلام يمكن أن يزين مانشيتات صحافة صور الاستقبالات الرسمية.

وجاء في تقرير "الشال"، وعدد كبير من كتابات المهمومين بمأساة سيزيف الكويتي، أن "الكويت تخلفت 30 مركزاً في مؤشر مدركات الفساد في ثلاث سنوات... يعني أن الفساد لم يعد مرضاً يحتاج طبيباً (تقرير الشال)، وإنما وباء مستشر، والحل لمواجهته هو الوقاية... أو العمل الاستباقي..."، ويذكر التقرير "... وجود 42 ألف قضية خاصة لسرقات المال... هذا يعني إغراق القضاء والنيابة والفتوى... وكل أجهزة الرقابة في أعباء وضغوط لا يمكن احتمالها..."!

لا توجد حلول سحرية في فساد سرطاني قد يبدأ من حاجب محكمة يصور مستندات ويتقاضى أربعة أضعاف قيمة صورة المستند، وإلا فهو يمتنع عن التصوير ويماطل بألف عذر، أو قد يبدأ هذا الفساد من تكاسل موظف بإعلان صحيفة دعوى بالإرشاد، ويؤشر على الصحيفة "لم يستدل على العنوان"، ويذهب هذا المسؤول "يشيش مع الربع" في مقهى من آلاف المقاهي بدولة أضحت علبة سردين لشوارع مزدحمة خانقة بسيارات دون عدد، ومطاعم بلع أيضاً دون عدد... ويمتد الفساد حتى تفصيل المناقصات الكبرى على أربع أو خمس شركات، أو تضبيط عقود الدفاع، كما حدث على سبيل المثال مع صفقة مروحيات "كاراكال" الفرنسية، وفي هذه الأخيرة هناك لمحة ضوء بعد إحالة موضوعها إلى جهات الاختصاص.

الفساد هنا لا يحتاج طبيباً ووقاية استباقية، لا حلول أمام سيزيف الوطني غير حرق أكوام قمامات الفساد وأصحابها معاً، وليكن التسامح فيها صفراً، ولا مجال لثقافة هذا ولدنا... وهذا محسوب على فلان شيخ أو متنفذ... إلخ.

ذكرت في مقال سابق حين استشرى الفساد في هونغ كونغ أن بريطانيا عينت السير موري ماكلاهوس عام 1974 كحاكم للإقليم، بادر هذا بطرد المئات من رجال الشرطة من أصل 18 ألف رجل شرطة عليهم شبهات بقضايا الفساد، وأسس هيئة مكافحة الفساد بسلطات شبه قضائية، تحقق بشكاوى الفساد بإجراءات مبسطة سهلة، وقامت هذه الهيئة بنشر الوعي بالدراسات المعمقة وبالتعليم والثقافة بين الجمهور المغيب وعيه عن مخاطر الفساد، نجح حاكم هونغ السابق ونظف الإقليم تماماً قبل أن تستلمه الصين، وهكذا أيضاً فعل لي كوان هو في سنغافورة، وهناك أمثلة أخرى من دول آسيوية قفزت من عوالم الفساد والتخلف إلى دنيا التقدم ومصاف الدول الكبرى، فمثلاً حين تمت إحالة رئيس سامسونغ السابق للقضاء بتهم فساد بسيطة لم يتدخل أحد من أسرته القوية للتوسط من أجله، ولم يقل مسؤول كوري إن هذه الشركة تمثل خمس الناتج المحلي الإجمالي لكوريا، ولا بد من مراعاة هذا الاعتبار... لا يوجد في اللغة الكورية مصطلحات "... هذا ولدنا... انقلوه لمكان آخر أو سامحوه".

التعليم أيضاً سيئ، وأضحت الكويت في المرتبة الأخيرة من بين دول الخليج، ومخرجات التعليم محزنة، تتدخل فيها الاعتبارات السياسية والوساطات النيابية للاعتراف بشهادات مضروبة من جامعات أجنبية ضحلة تستلم الشهادة بالمراسلة وأنت في مكانك، ويتدخل القرار السياسي لتعديل نتائج اختبارات معينة في الثانوية العامة... كي لا تظهر نتائج الاختبارات سواد الوجه والفضيحة... ولا ينتهي الكلام عند رداءة التعليم من الروضة حتى جامعات الدكاكين المنتشرة بطول البلاد وعرضها.

دعونا نصرخ "إذا فات الفوت ما ينفع الصوت"، ولنا بقايا أمل في إصلاح يبدأ من الأعلى قبل أن يبدأ بفراش البلدية، لنا أمل أن يظهر سيزيف بعزيمته، لا نريد سيفوه بخلاجينه.

back to top