تجريم الرشوة!

نشر في 13-03-2018
آخر تحديث 13-03-2018 | 00:24
 فهد خالد المطيري عندما تُقال كلمة الرشوة، يتبادر للذهن أن هناك مبلغا يُدفع من شخص إلى آخر، مقابل أدائه عملا معينا لمصلحة الأول، أو الامتناع عن أدائه لعمل معيَّن، وقد يتم الأمر مباشرة بين الشخصين، أو عن طريق شخص ثالث يكون هو همزة الوصل بين الأول والثاني.

ولا شك أن تلك العملية في الشريعة حرام، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش»، فالراشي هو مَن دفع المال، والمرتشي هو مَن طُلب منه العمل، والرائش هو الشخص الذي ذكرنا أنه همزة الوصل بين الأول والثاني، ويُسمى في القانون بـ»الوسيط».

وقياساً على القانون الجزائي الكويتي، فهذا فعل معاقب عليه قانوناً، فقد أدرك المشرع هذا الفعل، وعاقب عليه الأطراف الثلاثة، أو الاثنين، إذا لم يكن بينهما وسيط، ولم يفرق في عقابه باعتبار أن صاحب الحاجة، وهو الراشي، كان مستحقا للعمل، وما كان دفع هذا المبلغ إما للتعجيل بالقيام بالعمل، أو كان المرتشي متعسفاً معه ولم يجد الطريق لكي يؤتيه حقه إلا بالرشوة. وكذلك سوف يوقع التجريم بديهياً لو كان المرتشي غير مستحق لذلك العمل، إنما كان الأمر مقتصرا على أن العقاب كان مشددا لو كان صاحب الحاجة غير مستحق لتلك الخدمة، لكن للأسف الشديد كان إدراك المشرع مقتصرا على الرشوة في القطاع العام، الذي يكون فيه المرتشي المدفوع له موظفاً عاماً، أي أن الرشوة في القطاع الخاص، كالشركات والمؤسسات الخاصة، وكل ما لم يمت للدولة بصلة، كالموظف في أحد البنوك التجارية الذي يقبض مبلغا من المال من العميل لكي يُنهي معاملته بوقت أسرع من الوقت الطبيعي، جاعلاً له الأولوية عن العملاء الذي يستحقون أن تجرى معاملتهم قبل المرتشي، لأنهم وصلوا للمصرف قبله، أي أخذ دورهم، لا يعاقب مرتكبيها على ارتكابهم فعلا يشكل جريمة، إنما يحاسب عليه الموظف باعتباره مرتكبا خطأ تأديبيا يخضع لأحكام قانون العمل، فيما لو كان موظفا عموميا لاستحق العقاب بالسجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات! رغم أن الفعل واحد، وكلاهما يترتب عليه الإخلال بالوظيفة التي يشغلها الموظف وفتح الباب للموظفين بالاتجار بوظيفتهم، بدلا من أن يؤديها بصدق وأمانة، فوقوع الموظف بالعقوبة يبعد عنه رغبة استغلال وظيفته، ومن جانب آخر يؤدي إلى حسن سير الوظيفة الخاصة.

ولم يشهد قانون الجزاء الكويتي منذ إصداره عام 1960 حتى يومنا هذا أي إضافة لتجريم الرشوة في القطاع الخاص، إلا أنه في الآونة الأخيرة تقدم النائب د. عبدالكريم الكندري باقتراح بقانون لمجلس الأمة بسد ذلك الفراغ التشريعي، إلا أن الاقتراح لم يرَ النور بعد، آملين أن تكون مجرَّمة في كلا القطاعين، لكي تشكل رادعاً لكل موظف تسول له نفسه استخدام وظيفته كمصدر دخل له.

وفي حقيقة الأمر القصور التشريعي في القانون الجزائي لم يتوقف عند ذلك الحد، فالمشرع لم يعاقب على الرشوة التي يكون أحد أطرافها موظف أجنبي يمارس وظيفة عامة لمصلحة بلاده في الكويت، أي الدبلوماسيين العاملين في القنصليات والسفارات، بمعنى أن الموظف الدبلوماسي لو أخذ مبلغا ماليا مقابل استصدار تأشيرة للدولة التي يعمل بسفاراتها وهو يحمل جنسيتها لأحد الأشخاص، وكذلك الأمر يشمل الموظفين الأجانب العاملين لدى المؤسسات الدولية، كالموظفين الأجانب لدى المنظمات في الكويت، إذ كان من المفترض أن يسلك القانون الكويتي مسلك القوانين العربية التي أحسنت في معاقبتهم، حيث جاء في تعديل أخير لقانون العقوبات المصري، مقتضاه أن جريمة الرشوة تشمل الأشخاص الذين ذكرناهم. فليس ببعيد أن تخرج منهم تلك الأفعال، فهم كحالهم من البشر.

يجب علينا التنويه أن جريمة الرشوة لا يشترط أن يكون بها مقابل مالي، بل يكفي أن تكون منفعة، سواء مادية، كالمبلغ المالي الذي ذكرناه، والمنفعة غير المادية (المعنوية) كتقديم خدمة على سبيل المثال، ولا يشترط أن تكون المنفعة للمرتشي فقط يطلبها للغير. وفي النهاية نتمنى أن يتدخل المشرع الجزائي، ويسد تلك النقوص التشريعية لحماية المصلحة العامة.

back to top