... قاطعوا مونديال روسيا

نشر في 08-03-2018
آخر تحديث 08-03-2018 | 00:18
 عبدالمحسن جمعة أعلم أن ندائي هذا سيذهب هباءً في "وادي لا صدى يوصل، ولا باقي آنين"، في زمان الصمت العربي الأليم، لكن ضميري يحثني على أن أُطلق صرختي وأرحل، لعل هناك عربياً ذا ضمير يسمعها ويعمل بها، لما نشهده من جرائم روسيا مع نظام بشار الأسد، ومذابحهم ضد أهل الشام في سورية؛ من هدم المدن، وحرق الحرث والزرع، وقتل الأطفال والنساء، في جريمة تاريخية لا تُغتفر.

في أثناء هذه الجريمة الإنسانية المروِّعة في حق العرب والمسلمين هناك فرق كرة قدم عربية تحتفل وتستعد للمشاركة في مونديال روسيا 2018 – بطولة كأس العالم لكرة القدم- في يونيو المقبل، ويضعون علم واسم روسيا على قمصانهم وسلعهم وشعارات محطاتهم التلفزيونية. وبينما العرب يفعلون ذلك، انطلقت منذ أيام من هيئات حقوقية في ألمانيا، وبعض الجهات بشمال أوروبا، دعوات لمقاطعة مونديال روسيا، بسبب المذابح التي تقوم بها في الغوطة الشرقية، وسابقاً في حلب وعدة مدن سورية عربية.

للأسف، لم يجرؤ أحدٌ من العرب على أن يُطلق مثل هذه الدعوة لمقاطعة المونديال الروسي، فالمهم عندهم أن تذهب هذه الفرق إلى موسكو لتصافح مَن يُبيد أطفال سورية، ويمحو مدنها وتراثها، الممتد لآلاف السنين، والأهم أيضاً أن لاعبيهم سيسجدون في الملعب بعد كل هدف يسجلونه، بينما الجزار الروسي يقف فوق رؤوسهم! وسيبادلون المواطن الروسي التحية والسلام، والذي ربما هو أو أحد أقاربه يُطلق الصواريخ والقنابل الحارقة على أطفال حلب والغوطة.

ومع أنني متأكد أن حضور الفرق العربية في روسيا سيكون كرنفالياً عن طريق كم مباراة في الدور التمهيدي، ثم الخروج كالمعتاد، وستليها التصريحات المعتادة من رؤساء الوفود بأننا "حظينا بشرف المشاركة ورفع علم بلادنا"، بينما في الواقع كل كرة ستكون بين أقدام لاعب عربي على الأرض الروسية ستمثل رؤوس وجماجم أطفال ونساء الغوطة وحلب وحمص التي تحصدها الأسلحة الروسية التي تُجرَّب هناك، وكل عزف للسلام الوطني الروسي في ملاعب مونديال 2018 سيكون صدى لأزيز الطائرات والصواريخ الروسية التي تخطف أرواح الشعب السوري الشقيق.

أعلم تماماً أن بعض الحكومات العربية غير معنية بمثل هذه المواقف ومقاطعة مونديال روسيا 2018، لأنها فرصة ذهبية لتسويق نفسها، وتفريغ الشعوب العربية لشحناتها السلبية وإلهائها عن مشاكلها الاقتصادية والسياسية وواقع حرياتها، لكن الشعوب تستطيع أن تفعل ذلك عبر تجمُّعاتها ومجتمعها المدني، فتمتنع الصحافة ووسائل الإعلام، بمبادرة منها على الأقل، بمنع بث حفل افتتاح مونديال موسكو، وعدم إرسال صحافيين عرب لتغطية فعاليته، وعدم مشاركة الشركات الأهلية في الإعلانات التجارية لهذا الحدث، وطبعاً انسحاب الفرق العربية، لو حدث، فسيكون هو الخطوة الأهم والأكثر تأثيراً.

ورغم قناعتي بأن تلك المقاطعة غالباً لن تحدث، لأن الجماهير العربية، أو أغلبها، أصبحت محبطة ومستسلمة وبلا قيادات شعبية فاعلة، وأصبحت انعكاساً لقياداتها، فإن الضمير يكون مزعجاً عندما لا يستطيع أن يرى الدم العربي يسفك بشكل رخيص وبصمت مريب من الأمة، ولا يطلق على الأقل صرخة احتجاج ومطالبة بمقاطعة سفاحي الشعب السوري في موسكو.

***

مقدمة المقالة بعض كلماتها مأخوذ من أغنية المطرب الراحل طلال مداح "زمان الصمت".

back to top