لا تحرق النهر!

نشر في 08-03-2018
آخر تحديث 08-03-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري من الأخطاء الشائعة في الحب اختبار مائه برمي الجمر في نهره، كأن نفتعل مع أحبابنا أمرا سلبيا لنختبر محبتهم؛ نختلق شجارا ما، ندّعي الزعل لأسباب نخترعها، نعتب بلا ذنب صريح، نلوم لأننا توقعنا ردة فعل أجمل مما حدث، والقائمة تطول بأمثلة أسئلة الاختبارات التي نعدّها لقياس درجة حرارة عاطفة من نحب.

إلا أن الحب لا يعتمد الشهادات التي مُنحت بناء على مثل هذه الاختبارات، ولا يوثقها في سجله الرسمي، ولا يقبل في ناديه عضوا كل ما لديه شهادة في حل الأسئلة المُعدة مسبقاً والإجابات المطلوبة، فالحب لا يؤمن بالإجابات النموذجية، نتيجة هذه الاختبارات لديه: لم ينجح أحد!

الاختبار الوحيد الذي يعتمده الحب هو ما يحدث، وليس ماذا لو حدث، اختبار التجربة المعاشة والحدث الذي يسري في شرايينه الدم، وليس الحدث الذي رسمه "انيميشن" افتراضاتنا. اجتياز الاختبار المتخيل لعبة تخمين، فيما اجتياز الاختبار الواقعي ثبات لليقين. التخمين فعل مقياسه الذكاء، في حين اليقين حياة مقياسها الإيمان، والحب يقين، واليقين راسخ كشجرة جذرها في الأرض وفرعها في السماء. وليس من الحكمة في شيء أن نقص شجرة من جذرها لنعرف مدى وفائها للظل، أو أن نرمي عود ثقاب في بقعة ألم سريعة الاشتعال للتأكد من إجراءات السلامة لقلوبنا. وليس من سلامة العقل أن نغرق القارب لاختبار نخوة الشاطئ، أو أن نحطم الأشرعة لاختبار مصداقية الريح، لم يبلغوا سن الرشد بعد من أنضجت قلوبهم الخيبات الافتراضية والجروح الهجينة، افتعال العتب أو الزعل أو أي سلوك يعكس شعورا سلبيا مفتعلا لا يستحق شرف أن يكون ندباً في وجه الحب، ولا يضيف سوى عتمة بلهاء تأخذ حيزا من نور القلب، ولا يترك سوى كومة رماد كانت قبل ذلك غيمة.

لا يعتد الحب بجرح أحدثته سكين صنعت من معدن مزيف رديء، فهذا يقلل من قيمة الجرح. إن اختبار الحب بتخمين ردة فعل مَن نحب هو رمي جمرة قد تجعل من نهره نارا، فإن لم تفعل حتما ستترك على جلده أثراً لحرقٍ لا يزول، وتكرار ذلك يشوه وجه الماء، فتنفر الأعشاب وعاريات الزهور من ضفتي نهره وتهجره الفراشات رويداً رويداً وعابرات الطيور المهاجرة، لتصبح قلوبنا في آخر المطاف وطنا لقبيلة من الأشباح تبشّر بالوحشة.

إن اختيار إجابات مشتهاة كإجابات نموذجية لأسئلتنا الافتراضية ضلال مبين، لأن تأثيرات الرسوب فيه لا تختلف في قسوتها عن تأثيرات الرسوب في تجربة حقيقية من صنع الواقع، ولهما ذات الثمن من صفاء مشاعرنا، غير مدركين لخطأ ما نفعل وعواقبه الجسيمة علينا وعلى أحبتنا، على حد سواء، وعندما ندرك ذلك متأخرين نداري خطايانا في الحب بتغيير مسمى أخطائنا، لنجعل أفعالنا السلبية مُبررة، وكأننا بغير قصد نمهد لنهاية منطقية، وربما واجبة لقصة حب أحرق نهرها الجمر!

back to top