أزمة المياه في إفريقيا

نشر في 07-03-2018
آخر تحديث 07-03-2018 | 00:06
عند مناقشة أسباب أزمة المياه في جنوب إفريقيا غالبا ما يركز السياسيون ووسائل الإعلام على تغير المناخ، وهو الأمر الوحيد الذي لا يمكن إنكاره، ولكن الحقيقة هي أن سوء إدارة المياه في المناطق الحضرية لا يزال أحد الأسباب الرئيسة لإغلاق صنابير المياه في المدينة.
 بروجيكت سنديكيت قبل نحو عقد من الزمان، في مؤتمر لرؤساء البلديات في جنوب إفريقيا عقدته لينديوي هندريكس وزيرة المياه والبيئة في جنوب إفريقيا آنذاك، توقعنا أنه إذا لم تتحسن عملية إدارة المياه في غضون 15 عاما، ستواجه إحدى المدن الرئيسة في البلاد أزمة مياه غير مسبوقة، وقد تحقق هذا التنبؤ الآن، حيث تواجه كيب تاون وقف تشغيل شبكة إمدادات المياه. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان الزعماء الأفارقة ملتزمون بتحقيق تنبؤاتنا الأخرى، حيث سيواجه عدد أكبر من مدن القارة أزمات مماثلة في غضون السنوات الـ25 المقبلة.

لقد واجهت إفريقيا منذ وقت طويل صعوبة في إدارة المياه والصرف الصحي في المدن، ومع تضخم عدد سكان القارة من نحو 285 مليون نسمة في عام 1960 إلى ما يقرب من 1.3 مليار اليوم، وتزايد التمدن، أصبح التحدي ملحا على نحو متزايد، ومن المحتمل أن تعزز هذه الاتجاهات: بحلول عام 2050 من المتوقع أن يتجاوز مجموع سكان القارة 2.5 مليار نسمة، وسيعيش 55٪ منهم في مناطق حضرية.

قد لا يكون التحدي الذي تواجهه البلدان الإفريقية فريدا من نوعه، لكنه لم يسبق له مثيل، والواقع أن التمدن قد حدث في البلدان الغربية على مدى فترة أطول بكثير وفي بيئة اقتصادية تتحسن باطراد، فكان لدى المدن ما يكفي من الموارد المالية والخبرات من أجل بناء نظم فعالة لإدارة المياه والصرف الصحي.

في إفريقيا أصبحت القدرات المالية والإدارية للمدن مثقلة بالفعل، ونتيجة لذلك كثيرا ما هُمشت إدارة المياه والصرف الصحي، حيث يركز صناع السياسات على القضايا المتصلة بالمياه فقط عند حدوث حالات الجفاف والفيضانات، ووفقا لتقديرات المركز العالمي الثالث لإدارة المياه فإن ما يتراوح بين 10 و12 في المئة فقط من سكان إفريقيا يتمتعون بإمكانية الحصول على مياه الصرف الصحي ومعالجتها والتخلص منها بشكل سليم في الحياة اليومية والصناعة. ونظرا إلى أن بناء البنية التحتية والنظم اللازمة لتلبية احتياجات المياه في المدن الإفريقية سيستغرق نحو 20 أو 30 عاما، فإن التزام الحكومات المستمر أمر ضروري، وهناك حاجة ماسة إلى تطوير نظم أكثر ملاءمة للبيئة للتخلص من مياه الصرف، وكذلك أجهزة تنظيف المياه داخل المراكز الحضرية الملوثة بشكل كبير وخارجها.

وينبغي أن ترتكز هذه الجهود المبذولة على نهج شامل لتقييم نوعية المياه، الذي يغطي مجموعة واسعة من الملوثات- أكثر بكثير من 10 إلى 40% التي تسيطر عليها حاليا معظم المرافق العامة الإفريقية- مع توقع ظهور ملوثات جديدة. وتقوم مدن مثل سنغافورة اليوم بمراقبة 336 من معايير جودة المياه بانتظام لضمان سلامة المياه، وتحقيقا لهذه الغاية ستحتاج إفريقيا إلى الحصول على الخبرات ذات الصلة، والتمويل الكافي، والمختبرات المنظمة تنظيما جيدا، وكلها غير متوافرة حاليا.

إن تمويل هذه الجهود لن يكون أمرا سهلا، فمن جهة أدى الفساد إلى تقويض الاستثمار في تخطيط وتصميم وتشييد البنية التحتية للمياه، فضلا عن الإدارة الفعالة للبنية الأساسية القائمة، ومن جهة أخرى فقد قوضت القيمة الاجتماعية للمياه- بما في ذلك دورها المركزي في العديد من الديانات الإفريقية- منذ وقت طويل قدرة الحكومات على إيجاد نموذج قابل للاستمرار لمشاريع المياه.

وعلى الرغم من أن البلدان غالبا ما تكون حريصة على الموارد التجارية مثل النفط والغاز والمعادن والأخشاب والمنتجات الزراعية، فلا يبيع أي بلد في العالم مياهه إلى بلدان أخرى، وقد عقدت كندا اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية مباشرة بعد إعلان البرلمان أن الاتفاق لن ينطبق على المياه في حالتها الطبيعية، وفي البلدان الفدرالية مثل الهند وباكستان، ترفض المحافظات مشاركة المياه مع جيرانها.

فالبلدان لا تجني الكثير من المال من المياه، وفي عام 2001 أدخلت جنوب إفريقيا "سياسة المياه الأساسية المجانية"، التي بموجبها تتلقى جميع الأسر، بغض النظر عن حجمها أو دخلها، ستة كيلولترات (1585 غالونا) من المياه مجانا شهريا. يمكن القول إن هذا يرجع إلى حقيقة أن الماء ضروري للبقاء على قيد الحياة، ولكن الطعام ضروري أيضا، وعلى الرغم من أن كلاً من المياه والغذاء مضمونان في دستور جنوب إفريقيا فإه لا يتم توفير إلا المياه مجانا. إن جنوب إفريقيا ليست حالة استثنائية، وفي معظم المراكز الحضرية في جميع أنحاء العالم تكون المياه مجانية أو مدعومة بدرجة كبيرة، والسياسيون يترددون في إجراء تغييرات بهذا الشأن، لم يرتفع سعر المياه في سنغافورة على الإطلاق من عام 2000 إلى عام 2016، ولم تتغير أسعار المياه في هونغ كونغ منذ عام 1996، على الرغم من ارتفاع أسعار كل الأشياء الأخرى.

وعلى الرغم من أن المياه، بطبيعة الحال، لا ينبغي أن تصبح سلعة باهظة الثمن، فإن تردد الحكومات في فرض رسوم مناسبة على سعرها يقوض قدرتها على الاستثمار في مرافق إدارة المياه، بما في ذلك الصرف الصحي ومعالجة المياه المستعملة. هذا أبعد ما يكون عن تحقيق المساواة في معظم المدن، بل على العكس من ذلك، فإنه يجلب مزيدا من عدم المساواة في إدارة المياه الحضرية لأن الدولة غير قادرة على تقديم الخدمات اللازمة بطريقة فعالة ومستدامة وشاملة.

وعندما تغلق شبكة المياه في كيب تاون بسبب انخفاض منسوبها في الخزانات على نحو خطير- ربما في 9 يوليو- سيتعين على السكان الوقوف في صف في واحدة من 200 نقطة للحصول على المياه، 25 لترا للشخص الواحد يوميا، وستكون هذه المهمة صعبة خصوصا بالنسبة للفقراء وغيرهم من الفئات الضعيفة. وفي مناقشة حول أسباب هذه الأزمة، غالبا ما يركز السياسيون في جنوب إفريقيا ووسائل الإعلام على تغير المناخ، وهو الملام الوحيد الذي لا يمكن إنكاره، ولكن الحقيقة هي أن سوء إدارة المياه في المناطق الحضرية- التي تتمثل بحقيقة أن 36 في المئة من المياه في مدن جنوب إفريقيا إما فُقدت بسبب التسرب أو لم يتم دفع تكلفتها، بالمقارنة مع 3.7٪ في طوكيو و8٪ في بنوم بنه- لا يزال أحد الأسباب الرئيسة لإغلاق صنابير المياه في المدينة.

وإن إدارة المياه في المناطق الحضرية ليست مسألة معقدة، فالحلول معروفة لعقود من الزمن، وتتوافر التكنولوجيا والخبرة اللازمة وحتى الموارد المالية، وما ينقصنا هو الإرادة السياسية، والمطالب العامة، والمراقبة المستمرة من وسائل الإعلام، وينبغي أن تكون الأزمة في كيب تاون بمثابة دعوة للاستيقاظ من أجل إفريقيا بأسرها، ولسوء الحظ من المرجح فقدان مثل هذه الموارد المائية في إفريقيا.

* آسيت ك. بيسواس وسيسيليا تورتاجادا

* أسيت ك. بيسواس أستاذ زائر متميز في كلية لي كوان يو للسياسة العامة، جامعة سنغافورة الوطنية، وسيسيليا تورتاجادا زميلة أبحاث ممتازة في معهد السياسات المائية، كلية لي كوان يو للسياسة العامة، الجامعة الوطنية في سنغافورة.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

إدارة المياه في المناطق الحضرية ليست مسألة معقدة فالتكنولوجيا والخبرة اللازمة والموارد المالية متوافرة
back to top