«كفاية»

نشر في 03-03-2018
آخر تحديث 03-03-2018 | 00:06
 فواز يعقوب الكندري يحكي لي صديقي الذي أثقلني من هموم أسراره عن خيبة ظنّه بحبيبته التي صوّرها في عينه الملاك الذي لا يُؤثم، والأنيقة التي بألوانها لا تُخطئ، وعزيزة النّفس التي إن تقدّم لها صعلوك شبراً ابتعدت عنه باعاً، صوّرها في خياله على أنّها كبرياء يسير على قدمين، فخاب ظنّه وضاع في الرّجلين.

هُنا سرحت بخيالي بعيداً عن معشوقته واهتماماته التي ركنتها على رفّ المراهقة مع دخولي الثّلاثين، وشطحت بعقلي الذي بسببه ابيضّ شعر رأسي إلى مجتمعي ونفسي، فوجدت معظمنا يعيش حالة من فقدان الثّقة بالآخرين، فنراهم ظلاماً حتى يثبتوا أنّهم شمعدان.

موجة خيبة الظّن تمر على البلاد بسرعة فاقت موجات الغبار التي لم تغِب عنّا هذا الشّتاء، فهناك من خاب ظنّه بالسياسي الذي وعده بأن يحمل على أكتافه عودة الرّياضة فوجده يحمل المعاملات والمحسوبية، وهناك من استلم بيت الزّوجية واكتشف أن عقل المقاول غير مناسب للبناء فخاب ظنّه، وآخر رسام اعتقلوه بسبب ورقة وحبر، كان يظنّ هذا المبدع أنّ حرّية الرأي مكفولة فوجد ريشته مسجونة، وخاب ظنّه أيضاً، أمّا ذلك المتقاعد الذي يتكئ على أسهمه في البورصة لبناء مستقبل رائع لأبنائه ففوجئ أنّه يتّكئ على حصيرٍ أسفل «كرش» أحدهم فلا يستطيع الباشا أن يراه لانتفاخ بطنه، فارتفع ضغط الدم والسّكر ولم ترتفع أسهمه، وخاب ظنّه.

من المفترض أن نعيش اليوم مرحلة تحقيق الأحلام، إلّا أنّنا مازلنا نبحث عن الحقوق، «فاليابان التي لا تفرق عنّا بشيء» كما صرّح بذلك رئيس مجلس الأمة في وقتٍ سابق، قد أكملت صنعها اليوم لسيارة شفافّة وقدّمتها لشعبها احتراماً للتكنولوجيا، ونحن نخشى أن نخرج إلى الدّائري الخامس بعد وجبة الغداء حتى لا نصاب «بالحارج» بسبب الحفريّات.

خيبة الظّن يا سادة لا ينبغي أن تكون منّا لهم فقط، نحن أيضاً سبب عميق لهذا الشعور الذي يربكنا، فاهتمامات المجتمع لا تسير مع التقدّم الذي يحقّقه العالم، فالقطار الذي يسير على سكّة الإنجاز لن ينتظرك في المحطة حتّى تنتهي من جدالك مع صديقك عن حادثة الطّف ومن تحقّ له الولاية، وبابه لن يظل مفتوحاً طويلاً حتّى يقنع أحدكم الآخر بأن «بعير» جدّه وصل إلى الكويت قبل الآخر. سيغلق القطار بابه، ويمضي في طريقه، وستبقى أنت وأنا وهم بين ركام التّخلف، وستنهكنا الهموم إن لم نصرّ على أن نقول «كفاية»، أمّا صديقي الذي خيّبت حبيبته ظنّه فأقول له: «ما طاح من النجوم أخف للسّما».

back to top