خطورة تبنّي عملية خروج ناعمة من الاتحاد الأوروبي على زعيم العمال كوربين

نشر في 28-02-2018
آخر تحديث 28-02-2018 | 00:08
 الغارديان أخبر كير ستارمر، المتحدث بشؤون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزب العمال أندرو مار من شبكة "بي بي سي": أنه "آن أوان العمل الجاد بسبب ضيق الوقت بالنسبة إلى رئيسة الوزراء"، ولكن متى لم يكن الوقت ضيقاً؟ فتيريزا ماي تألف أكثر من أي شخص آخر الحاجة إلى العمل بجد بسبب ضيق الوقت.

لكن ما يبرز حقاً أهمية كلمات ستارمر هو أن المحنة التي تواجهها رئيسة الوزراء راهناً تختلف بطبيعتها ونوعها عن المآسي اليومية التي ابتُليت بها منذ الانتخابات العامة في شهر يونيو الماضي. يطرح جيرمي كوربين على ما يبدو تحدياً مبدئياً لموقفها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويشكّل هذا تحدياً سياسياً لا يرحم بكل بساطة.

لا شك أن خطاب زعيم حزب العمال سيخيّب أمل مَن كانوا في حزبه يأملون أن يدعم عضوية كاملة، ومستمرة، وواضحة في الاتحاد الجمركي في الاتحاد الأوروبي، ولكن لا مفر من خيبة الأمل هذه نظراً إلى تباعد كوربين العقائدي القديم عن الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الضغوط المتواصلة من نواب حزب العمال المناهضين للوحدة الأوروبية وبعض مستشاريه المقربين، الذين يعتقدون أن ناخبي الطبقة العاملة سيعاقبون بشدة أي تراخٍ في مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

لذلك لا تتوقعوا أن يدلي بتصريح مؤثر عن أنه يحب في النهاية مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

إليكم ما يقوم به كوربين، فهو في تعديله البوصلة ولو قليلاً بشأن مسألة مستقبل الاتفاق الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، ينجح بضربة مفاجئة في توليد نواة ائتلاف متمرد متعدد الأحزاب لا يوحّده الإصرار على تفوق مجلس العموم فحسب، بل أيضاً القيم السياسية المشتركة، ولا شك أن هذه لحظة بالغة الأهمية.

كان كوربين الشخصية الأبرز الصيف الماضي، سواء من حيث الجو العام والنبرة أو المسار الانتخابي، لكن حالة عدم الاستقرار تؤدي بطبيعتها إلى تدمير مَن ولّدها، فوسط موجة الحماسة التي برزت ينعكس يقين الشعور المخالف، أما المتغير الوحيد، فيبقى الفترة الزمنية التي تفصل بين الافتتان والرفض، وقد تمر سنوات إلا أن هذا ليس مؤكداً. أتذكرون "جنون كليغ" أو سيطرة ماي التي بدت لا تُقهر على المسرح السياسي في أواخر عام 2016؟ نتيجة لذلك، ما من شعار في عالم السياسة العصري يستحق التكرار إلا: "هذا أيضاً سيعبر".

إذاً، ما خيارات كوربين؟ بإمكانه التشبث بإحكام وينتظر انهيار هذه الحكومة غير المتجانسة تحت ثقل تناقضاتها الخاصة أو يستطيع الهجوم.

يبدو الخيار الأول خطراً، بما أن الموهبة الوحيدة التي تتحلى بها ماي هي قدرتها على استغلال حيرة حزبها وتردده لمصلحتها، ويشكّل التزام الحكومة قبل أيام بالسعي إلى عقد صفقة للخروج من الاتحاد الأوروبي تستند إلى "الاختلاف الطموح المضبوط" مساهمة أخرى من عبقريتها الباهتة، صحيح أن هذه الكلمات لا معنى لها على الإطلاق، إلا أنها أطالت قليلاً هدنة المحافظين.

هذا ما تقوم به ماي، أو بالأحرى هذا كل ما تقوم به: تقود بالتأجيل، وتصر على عدم التحرّك، فهي أشبه بامرأة تطلب بشكل متواصل من سيارات أجرة أن تقلها إلى المكان الذي تقف فيه أساساً.

أما الخيار البديل لزعيم العمال، فيقوم على فرض تبديل الوتيرة وإنجاز ذلك في البرلمان، ففي عام 1992-1993، مهّد جون سميث الدرب أمام انتصار توني بلير بصوغه تحالفاً تكتيكياً بشأن معاهدة ماستريخت مع "مجموعة منشقة" من المحافظين المناهضين للوحدة الأوروبية، مما أدى إلى انتفاضة في مجلس العموم ألحقت أذى كبيراً بسلطة جون ميجر.

بعد نحو ربع قرن يجد كوربين نفسه أمام فرصة مماثلة تتيح له توحيد الجهود مع بواقي المحافظين: قد لا يكون هذا التحالف دائماً إلا أنه بالتأكيد كافٍ لنقل المحافظين من حالة الشلل إلى الذعر، ويهدف موقفه الجديد بشأن الاتحاد الجمركي إلى إشعال الفتيل الذي يقود (وإن بطريقة غير مباشرة) إلى طرح الثقة بالبرلمان وانتخابات عامة أخرى، ولا شك أن هذه الاستراتيجية لا تخلو من المخاطر، فقد تخفق مسببةً الإحراج لكوربين، لكنها تظل خطوة ذكية، على حد تعبير مايكل كورليوني.

* ماثيو دانكونا

* «الغارديان»

back to top