الهند... وجوه البشر الطيبة!

نشر في 28-02-2018
آخر تحديث 28-02-2018 | 00:00
 طالب الرفاعي قليلة جداً هي عبارة "الهند بلد العجائب" بحق الهند؛ البشر والحجر. وقد يبدو حيِّز عبارة "وجوه الحياة والبشر" صغيراً ولا يتسع لتلك النظرات والوجوه والسحن المتعددة والغريبة والصادمة. ويأخذ الأمر بُعداً آخر حين الحديث عن طبيعة الأمكنة، وما يجري على أرض واقعها.

في الشارع نفسه، وفي اللحظة نفسها تسير سيارات الركاب، بكل أنواعها وسنوات صنعها، إلى جانب "الركشة، أو "التُوك تُوك"، إلى جانب الموتر سيكل والدراجة الهوائية والثور والبقرة، وبالقرب من الكلاب، وليس ببعيد عن القرود، التي تقفز فوق رؤوس البشر على التمديدات الكهربائية وبين نافذة وأخرى.

ما يُثير الدهشة والغرابة، أن كل هذا يسير إلى جانب بعضه البعص، بضوضاء عالية، وبحركة مرور متقاطعة ومتداخلة ومتوازية ومتواجهة، لكن بانسيابية عالية، وبإنسانية ملحوظة، كلٌ في دربه، وإلى غايته ومقصده، ودون أن يتجاوز أحدٌ على أحد. بل إن المفارقة الأجمل، هي أن الجميع مبتسم وراضٍ بعيشه، أو على الأقل هذا ما يظهر على وجوه البشر.

في جولة شملت نيودلهي وآغرا وجابور يستقبلك موظف المطار بترحاب وود ظاهرين، وكذا نظافة المطار اللافتة، وخدمات المطار المنتظمة. خطٌ حادٌ يفصل بين ما يمكن أن يعيشه زائر الهند في الطريق، وما ينتظره بالفنادق الفخمة، التي كان جزء كبير منها قصورا لمهراجات وأغنياء الهند، عبر ما يزيد على الخمسة قرون، الماضية، وكيف أن هذه القصور صارت فنادق بخمس وست وسبع نجوم، حتى إنها لا تمتُّ بأي صلة لمن حولها. في الداخل غنى وبذخ عيش فاحشان، وعلى النقيض الفقر والبؤس بالخارج.

الهند مليئة بقصورها التي تنطق بحيوات وبطولات وغنى ساد ثم باد، وحيثما تلفَّت السائح سيجد قصراً أو حصناً وعشرات الحكايا المخبَّأة بين جنباته. على رأس تلك القصور تأتي تحفة "تاج محل"، القصر الذي استغرق بناؤه 22 عاماً، ليحوي رفاة ممتاز تاج محل، زوجة الإمبراطور شاه جيهان، وليكون بحق ضمن عجائب الدنيا السبع. القصر الذي يتغيَّر لون رخامه الأبيض، ليأخد لون لحظة اليوم المتغيرة؛ بين الشروق والضحى والظهر والعصر والمغرب والليل. وبقدر ما يقف الزائر مبهوراً من عمارة وتنفيذ هذا القصر، بالقدر نفسه تصدمه حياة المنطقة التي تحيط به، وكأن إرادة الإمبراطور أرادت أن تبقي على تميُّز ورفعة محبوبته وزوجته ممتاز تاج محل في حياتها ومماتها. فما يحيط بتاج محل لا علاقة له بناتاً بأي تاج سوى الفقر، بل الفقر المدقع. كما أن محلات عريقة كثيرة تعرض أمام المشتري بضائع يرى تدرج صناعتها وتوارث سر المهنة من الأجداد إلى الآباء، وصولاً إلى الأبناء، وبشكل حافظت الدولة عليه، ليبقى إرثاً هندياً/إنسانياً يُسرّ ويعتز السائح باقتناء قطعه النادرة.

على بُعد قرابة الساعات الثلاث، يقع حصن آغرا، أو "الحصن الأحمر"، الذي بناه جد شاه جيهان، وأسكن فيه زوجاته الثلاث؛ المسلمة والمسيحية والهندوسية، ونادى، وهو المسلم، بحرية الإيمان والتوحيد الإلهي، وجعل في قصر واحد سكناً منفصلاً وخاصاً ودالاً على ديانة كل زوجة ومعتقدها وعاداتها التي حملتها إلى القصر.

يبدو واضحاً لمن يزور الحصن كيف أن قوة ومتع الملوك وحاشياتهم ظلت على الدوام حاضرة في قصورهم، وكيف أن لعبهم المفضلة كانت تُدار بالبشر أنفسهم، ودون النظر إلى إنسانيتهم!

"جابور" الولاية الصاعدة لا تختلف عن بقية الولايات والمدن الهندية، لكن زائر جابور لابد له أن يجرب متعة أو مغامرة ركوب الفيلة حول قلعة المدينة، تجربة تحمل من المتعة والغرابة والدهشة الشيء الكثير.

السير في دروب أي ولاية من ولايات الهند يُفتّح عين السائح على حيوات وبشر لا يمكن معاينتها في أي مكان آخر بالعالم. كما يأخذه إلى محال تحوي العراقة إلى جانب التراث والمعاصرة، وفي مختلف مناحي الحياة. ويبدو تطويع الإنسان ليكون مسالماً محباً لأخيه الإنسان، وأياً كان، وبين عموم شعوب الهند أمراً يستحق الإشادة، بوصفه تجربة عظيمة.

back to top