آمال : متنبي النرويج

نشر في 27-02-2018
آخر تحديث 27-02-2018 | 00:25
 محمد الوشيحي قبل يومين، قرأت في هذه الجريدة خبراً عن احتفاظ النرويج بنحو 900 ألف نوع من البذور، محفوظة في قبو في القطب الشمالي، تحسباً لزوال النباتات، نتيجة الحروب النووية، المحتمل نشوبها، أو الاحتباس الحراري، أو غير ذلك من الكوارث.

بحثت في موضوع قبو البذور هذا، أو "قبو بذور يوم القيامة" كما يسمى، في الإنترنت، وقرأت بعض التفاصيل عنه، فلم أجد ما يشدّني إليه، أو ما يستدعي رفع حواجبي دهشة! فالقبو بُني بتسعة ملايين دولار فقط، وستتم صيانته بنحو ثلاثة عشر مليون دولار، والرقم هذا كما تعلمون لا يثير الانتباه ولا الاهتمام، في الذهنية العربية الفاخرة. ثم أين "المفخرة" في الموضوع؟ فبدلاً من أن تفاخر النرويج بهيبتها وقوة بطشها وقدرتها على مسح دول من الخريطة، مصحوباً ذلك بأغانٍ وطنية مخضبة بلون الدم، وشيلات الهيبة التي تشعل السماء، تجدها تفاخر بالاحتفاظ ببذور! خيبها الله.

والأكثر من ذلك، بحثت عن صورة المسؤول الأول عن هذا القبو "الخرطي" فلم أجدها، وهذا يؤكد ما قلته من أن الموضوع يخلو من المرجلة والهيبة وقوة البأس. وإلا لو كان القبو يدعو للفخر لامتلأت صحافة النرويج بصور المسؤول البائس، ولشاهدنا الرقص بالأسلحة، وإطلاق النيران، والمسيرات الاحتفالية، والقصائد النرويجية العصماء.

لا أدري كيف النرويجيون! فهم يفاخرون بتخزين بذور، ويفاخرون بتفوقهم عالمياً في مجال رعاية المعاقين، ويفاخرون بشفافية حكومتهم، وما شابه… على أنهم لم يؤمّنوا أنفسهم من ناحية الشعر، في استهتار واضح بتأثير الشعر والشعراء. وقد يخرج من بين النرويجيين شاعر موهوب من سلالة المتنبي الإبداعية، يهدم كل ما بنته النرويج ببيت شعر يتيم، أو بقصيدة تسير بها الركبان، كما سارت بقصيدة المتنبي التي هجا بها كافور الإخشيدي، حاكم مصر في عصره، عندما سمّاه "كويفير" و"العبد المخصي" وغيرها من النعوت والصفات التي بقيت في ذاكرة العرب حتى يومنا هذا، وتشكلت صورة كافور في أذهان الأجيال بحسب وصف المتنبي له، رغم أنه واحد من أعظم حكام مصر في تلك الأزمنة، وأحد "التنمويين" العظام، لكنها الموهبة الشعرية الفذة! وها هي النرويج تستهين بهذا السلاح الفتاك.

back to top