«المشكلة الكورية» التالية

نشر في 26-02-2018
آخر تحديث 26-02-2018 | 00:05
 واشنطن بوست أقدمت كوريا الشمالية على خطوة غير مسبوقة في الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018، فأرسلت رياضيين للمشاركة في هذه الألعاب تحت رآية "كوريا واحدة"، واعتبرت وسائل الإعلام الدولية عموماً هذه المناورة الدبلوماسية نجاحاً يستحق "الميدالية الذهبية".

تستعد كوريا الجنوبية، التي تضم اليوم نحو 30 ألف فارّ من الشمال، للوحدة منذ سنوات، وفي بحث جديد يقوم على استطلاع رأي الكوريين الشماليين الفارين، سألت هؤلاء الفارين عما إذا كانوا يشعرون بأن من واجبهم الاقتراع (دور أساسي للمواطن الديمقراطي)، فاكتشفت أن الهوية الوطنية (وخصوصاً الهوية الوطنية المشتركة مع الكوريين الجنوبيين) تشكّل عاملاً يؤدي دوراً مهماً في تحديد ما إذا كان الكوريون الشماليون يشعرون بهذا الواجب الديمقراطي، وما زال أكاديميون كثر يعتبرون كوريا أمة متجانسة إثنياً، ولكن عندما تطرح الأسئلة على الكوريين الشماليين الذين قدِموا إلى كوريا الجنوبية، تلاحظ اختلافات كبيرة في مدى إحساسهم بتلك "الوحدة".

تؤدي مشاعر الانتماء دوراً مهماً في طريقة تعاطي الفارين مع المواطنة الديمقراطية في المقام الأول، فقد اكتشفتُ أنها أكثر أهمية من عوامل مثل الرضا حيال مساعدة إعادة التوطين أو المعاملة المنصفة التي يلقونها من الدولة، وأدركتُ أن الشعور القوي بالانتماء إلى أمة كورية واحدة، مقابل شعور ضعيف عابر، شكّل أساس الاختلاف بين كوري شمالي يشعر بأهمية واجب الاقتراع وآخر لا يكترث به، مشيراً إلى خصائص أساسية في الخلفية. صحيح أن واجب الاقتراع يمثّل جزءاً صغيراً جداً من المواطنة الديمقراطية، إلا أن الديمقراطية السليمة تعتمد على هذا النوع من الروح السياسية.

ولكن لمَ تُعتبر مشاعر الوحدة الوطنية مهمة؟ هذه المشاعر مهمة إنما بطريقة تختلف عما قد يعتقده معظمنا، ففي عمل متابعة استند إلى مقابلات مطوّلة مع الفارين، واكتشفتُ قصة غير متوقعة، إذ يملك كوريون شماليون كثر روحاً أو قواعد سلوك متأصلة بعمق تشدد على أهمية تضحية المواطن وواجبه تجاه الأمة. وفي حالة الكوريين الشماليين الذين يعتبرون الكوريين الجنوبيين جزءاً من هذه الأمة، تتحوّل هذه الروح، التي تشكّلت نتيجة عملية تكيّف اجتماعي مستبد في الشمال، إلى إحساس بالواجب الديمقراطي في الجنوب الديمقراطي.

يعتبر الباحثون غالباً أن عملية الانتقال إلى الديمقراطية تقوم على التخلي عن الماضي المستبد، ولكن أخبرني أحد الفارين: "حتى عندما كنت أعيش في الشمال، كنت أظن أن مَن يهتمون للبلد يقومون بأمور من أجله، وبما أنني أعيش هنا اليوم، أشارك في عملية الاقتراع. هناك الشمال وهنا الجنوب، ولكن في داخلنا كلنا كوريون... دمنا يوحدنا".

لكننا لا نعرف ما إذا كان الكوريون الجنوبيون يشاطرونهم الرأي، فلا يكمن الخبر الحقيقي في الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 في خطوة كوريا الشمالية، بل في رد فعل كوريا الجنوبية المنقسم بقوة. صحيح أن كوريين جنوبيين كثراً رحبوا بحرارة ولو بحذر بالكوريين الشماليين، إلا أن البعض شعروا أن سيئول بدت متساهلة جداً، وخصوصاً على حساب عدد من رياضييها.

حمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها: "ألعاب بيونغتشانغ أم بيونغيانغ؟". تنتشر هذه المشاعر بشكل خاص بين الشبان الكوريين الجنوبيين، الذين ما عادوا يشعرون بنوع الوحدة الوطنية عينه مع الكوريين الشماليين كما أجدادهم.

خلف صور المشجعات الكوريات الشماليات وعلم الوحدة في الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 يظهر انقسام متنامٍ في الهوية في شبه الجزيرة الكورية ونوع مختلف من "مشاكل كوريا الشمالية"، ولا شك أن نظرة الكوريين الشماليين والجنوبيين إلى بعضهم (كواحد "منا" أو "منهم") ستشكّل محوراً أساسياً بالغ الأهمية في تحديد ما إذا كانت الديمقراطية ستبدّل شكل شبه القارة وما الشكل الذي سيتخذه هذا التبدل.

* آرام هور

* «واشنطن بوست»

back to top