ما على ترامب معرفته عن الإيرانيين

نشر في 25-02-2018
آخر تحديث 25-02-2018 | 00:12
إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تحسين علاقتها بإيران ذات يوم، فعليها أن تكسب ثقة الشعب الإيراني وتتبنى سياسات تعكس الوقائع على الأرض، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي لإدارة ترامب أن تتنبه للتبدلات المهمة في الموقف العام بين الإيرانيين.
منذ الثورة الإسلامية عام 1979 كان هدف الاستراتيجية الأميركية المعلن تجاه طهران، إلا في حالات نادرة، تقويض النظام السياسي الإيراني، وخلال عهد ترامب اعتُمد تغيير النظام كسياسة رسمية، وسلكت مقاربة ترامب مسارَين: تعزيز العقوبات والضغوط الأخرى بغية إضعاف إيران مع التصدي لقدراتها الدفاعية ونفوذها الإقليمي، ودعم الإيرانيين في سعيهم إلى الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.

ففي حين راح ترامب يشجّع الشعب الإيراني على الثورة ضد حكومته أعلن وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن هدف الإدارة إحداث "عملية انتقال سلمية"، وفي المقابل دعا السيناتور توم كوتون، مستشار ترامب النافذ، إلى عمل علني "بغية دعم الانشقاق المحلي الداخلي". في المرحلة التي سبقت الثورة أساءت واشنطن قراءة الوضع الداخلي في إيران، مما ترتب عليه عواقب خطيرة. ولا عجب إذاً أن تكون الأفكار غير الصحيحة التي يملكها مسؤولو إدارة ترامب عن المجتمع الإيراني، بعد 40 سنة من عدم امتلاك الولايات المتحدة أي وجود في إيران مهما كان، أكبر بكثير، وقد تؤدي إلى عواقب أكثر خطورة، ونتيجة لذلك يُعتبر تطوير الولايات المتحدة فهماً أفضل لإيران بالغ الأهمية.

يفخر الشعب الإيراني بتاريخه العريق ويعتبر نفسه إحدى أعظم الحضارات القليلة، وخلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من العام الماضي، شدد ترامب على هذه "الجذور الفخورة التي تشكّل أساس الحضارة". ولكن بعد شهر، وصف الإيرانيين بـ"أمة إرهابية".

من الضروري أن يوضح ترامب في المستقبل ما إذا كان يتحدث إلى أمة متحضرة أو إرهابية وما إذا كان يريد استعمال لغة الاحترام أو الإذلال في مخاطبته الإيرانيين.

علاوة على ذلك لاحظنا هوة بين واقع التظاهرات التي شهدتها إيران أخيراً وتغطيتها في وسائل الإعلام الأميركية والغربية، صحيح أن هذا الاضطراب كان محدوداً في حجمه، إلا أنه بدا كبيراً في نطاقه، فضلاً عن ذلك، بعدما انتشرت مشاهد العنف والتخريب الهمجي في الصحف الإيرانية، نزلت إلى الشارع تظاهرات مضادة في مختلف أنحاء البلد، وقد سار الآلاف في الشوارع خصوصاً خلال تظاهرات الحادي عشر من فبراير في الذكرى التاسعة والثلاثين للثورة، إلا أن هذه الأحداث لم تحظَ بأي تغطية في وسائل الإعلام الأميركية، ويكشف استطلاع للرأي أجراه أخيراً مركز الدراسات الدولية والأمنية التابع لجامعة ماريلاند أن الإيرانيين جميعاً يعارضون تغيير النظام رغم ما تشعر به غالبيتهم من استياء اقتصادي عميق، بالإضافة إلى ذلك دعم معظم المستطلَعين، في تعارض مباشر مع خطاب ترامب وسياساته، الصفقة النووية، وقدرات إيران الدفاعية (منها برنامج الصواريخ البالستية الإيراني)، وسياساتها الإقليمية. واللافت للنظر أن قائد فيلق القدس قاسم سليماني يتمتع بمعدل الشعبية الأوسع بين الشخصيات العامة الإيرانية، مع أن الولايات المتحدة تصنّفه "إرهابياً معروفاً". يحمّل معظم الإيرانيين المستطلَعين أيضاً إدارة ترامب مسؤولية عدم التقيد بالتزامات الولايات المتحدة بموجب الصفقة النووية.

خلال السنوات المئتين الماضية، تعرضت إيران للغزو البريطاني والروسي على حد سواء وأُرغمت على التخلي عن جزء كبير من أراضيها، وبعد تأسيس الجمهورية الإسلامية هاجمها العراق بقيادة صدام حسين، مما أشعل حرباً عنيفة دامت ثماني سنوات دعمت خلالها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون بغداد. أودى هذا الصراع بحياة الآلاف وخلّف دماراً بمئات مليارات الدولارات، وفي المقابل لم تشن إيران حرباً هجومية واحدة منذ 250 سنة، وتدفع هذه الخلفية التاريخية العظيمة الإيرانيين إلى التوحد تلقائياً في وجه التدخل الأجنبي.

إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تحسين علاقتها بإيران ذات يوم، فعليها أن تكسب ثقة الشعب الإيراني وتتبنى سياسات تعكس الوقائع على الأرض، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي لإدارة ترامب أن تتنبه للتبدلات المهمة في الموقف العام بين الإيرانيين، أما إذا لم تقم بذلك فقد يؤدي الموقف المتشدد المتجدد إلى رد فعل كبير تترتب عليه عواقب غير متوقعة.

back to top