الخدم... الخدم... إلى متى؟!

نشر في 22-02-2018
آخر تحديث 22-02-2018 | 00:19
 عبدالمحسن جمعة منذ سنوات وخلال أزمة مشابهة مع حكومة جالية آسيوية، تُجلب منها العمالة المنزلية، سألني دبلوماسي أجنبي عن سر علاقة المجتمع الكويتي وحاجته الماسة إلى خدم المنازل وارتباطه بوجودهم، حقيقة لم أجد إجابة وافية وشاملة سوى الرد عليه بأن الثروة النفطية، التي أدت إلى بناء مساكن كبيرة، وزيادة الإمكانات المادية للأسر الكويتية، إضافة إلى خروج المرأة للعمل، أدت جميعاً إلى الاعتماد المتزايد على العمالة المنزلية.

الدبلوماسي لم يقتنع بإجابتي، ورد بأن مجتمعات غنية، وربما أغنى من الأسر الكويتية، ولديها منازل كبيرة، كما في ولايات الغرب الأميركية والنرويج وعدة دول أخرى، لا تعتمد على الخدم، كما أن المرأة اليابانية والكورية أو الهولندية مثلاً تعمل من الساعة التاسعة صباحاً حتى الرابعة عصراً، وتعود لكي تقوم بواجباتها المنزلية، ورعاية أسرتها دون الحاجة إلى الخادمة.

عند هذا الحد غيرت الموضوع، لكنني أعلم أن المجتمع الكويتي أصبح لديه مرض اجتماعي خطير اسمه "خدم المنازل"، تنتج عنه مشاكل أمنية واجتماعية وأزمات للدولة في العلاقات الدولية، ولا أحد في البلد يريد أن يفتح هذا الملف ويقول "كفى"، لأننا مع الأسف جميعاً أصبحنا مرضى بـ"الربادة" والكسل، ولا نستطيع العيش بدون الخدم، وهو أمر خطير، لأنه لا يمكن مع التطور والتشريعات الحديثة أن نجد أسواقاً تمدنا بالمزيد من العمالة المنزلية بالطريقة وظروف العمل التي نريدها.

ومن شدة حاجتنا إلى العمالة المنزلية أصبحنا نستجدي الدول التي تهاجمنا حتى نلبي طلباتها، ونوقع اتفاقيات معها لتمدنا بالمزيد من عمالتها، وقريباً ومع بداية فصل الصيف ستبدأ معاركنا مع السفارات الأوروبية، للسماح للأسر الكويتية بشحن الخدم معهم إلى المصايف، في سلوك فريد وغريب في عصرنا الحالي، بينما الجهات الحكومية والأهلية تتجاهل هذه الظاهرة الخطيرة، ولا تحاول أن تنظم حملة اجتماعية وتوعوية للاستغناء عن الخدم أو حتى التقليل من الاعتماد عليهم، بدل الحملات التي تتدخل في حريات الناس، والمتعلقة بملابسهم، وارتداء المرأة للحجاب من عدمه.

مشكلة الخدم تستنزف مئات ملايين الدنانير التي ترسل للخارج، وكذلك الضغط على الخدمات العامة، والمشاكل الأمنية والاجتماعية والأزمات الدبلوماسية، فلماذا لا تطلق حملة تثقيفية كبرى لتغيير نهج بناتنا وشبابنا ليقتدوا بالمجتمعات المتطورة في إدارة شؤون المنزل وحاجاته، والاعتماد على الأجهزة الحديثة كما تفعل ربة البيت في جنيف أو نيويورك أو سنغافورة، وزيادة دور حضانات الأطفال في جميع المناطق، وتحمل الدولة أو القطاع الخاص جزءاً من تكلفتها، وأيضاً نفكر بجدية في تنظيم عدد أفراد الأسرة والنسل، وحث بناتنا وأولادنا - ولو لمدة ساعتين في اليوم - على العمل في المنزل، بدل التسكع في الأسواق و"المولات"، وهدر الساعات خلف شاشات هواتفهم.

بالتأكيد، القدرة في المستقبل على جلب مئات آلاف العمالة الأجنبية للعمل كخدم في المنازل، بالشروط التي نريدها، ستتقلص، ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع، وتجاهل الدولة تفاقم هذه المشكلة غير مفهوم رغم التكلفة العالية عليها، والمفترض أن تبادر الحكومة بوضع شروط جديدة حازمة لجلب خدم المنازل، فلا يمكن فهم أن تجلب أسرة شابة مكونة من زوجين في الثلاثينيات من العمر خدماً، أو أن منزلاً به متقاعدة في منتصف عمرها ممتلئ بأربعة من الخدم، بل يجب أن يقتصر جلب العمالة المنزلية على ظروف معينة، مثل كبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة، لأن الوضع أصبحت تكلفته عالية على جميع المستويات، ويجب محاصرته وعلاجه حتى ننتهي من صداع ومشاكل قضية العمالة المنزلية المتفاقمة.

back to top