اختيار الهند في المالديف

نشر في 22-02-2018
آخر تحديث 22-02-2018 | 00:05
السياسة البائسة في المالديف تخلف تأثيراً بعيد المدى على نحو متزايد، خصوصاً أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتطرفين الإسلاميين، ففي يوم إطاحة الرئيس السابق نشيد، نهب المتطرفون المتحف الرئيسي في المالديف، وحطموا التماثيل البوذية والهندوسية التي لا تقدر بثمن.
 بروجيكت سنديكيت جمهورية المالديف جميلة تقع في المحيط الهندي وتتألف من 1000 جزيرة مرجانية، وهي معروف في مختلف أنحاء العالَم كوجهة سفر هادئة وفخمة، لكن هذا البلد يعاني الآن أزمة سياسية شديدة، حتى أن التقارير الدولية تحذر من السفر إلى هناك.

كانت سيادة القانون في المالديف في تدهور مطرد منذ تولى الرئيس عبدالله يمين السلطة هناك في عام 2013، ثم تفاقم الوضع بشكل حاد في وقت سابق من هذا الشهر، عندما رفض يمين الامتثال لأمر المحكمة العليا الصادر بإجماع أعضائها والذي يقضي بإلغاء الإدانات التي دبرها لتسعة من الشخصيات المعارضة- ومنهم الرئيس السابق المنفي محمد نشيد- بتهمة الإرهاب، وبدلا من الإفراج عن الذين ألغيت أحكامهم أعلن يمين حالة الطوارئ وأصدر أوامره بسجن اثنين من قضاة المحكمة العليا الخمسة، وأحدهما رئيس المحكمة العليا.

من المؤكد أن الاستبداد ليس جديدا على المالديف، الواقع أن نشيد هو الرئيس الوحيد غير المستبد المنتخب ديمقراطيا الذي حظيت به المالديف منذ نالت استقلالها عن بريطانيا في عام 1965، وقد دامت ولايته أكثر من ثلاث سنوات قليلا، إلى أن أجبر على الاستقالة تحت تهديد السلاح في عام 2012.

بيد أن السياسة البائسة في المالديف تخلف تأثيرا بعيد المدى على نحو متزايد، خصوصا أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالإسلاميين المتطرفين، ففي يوم الإطاحة بالرئيس السابق نشيد، نهب المتطرفون المتحف الرئيسي في المالديف، وحطموا التماثيل البوذية والهندوسية التي لا تقدر بثمن وقاموا بمحو أي أثر لجذور البلاد قبل دخول الإسلام عليها، وعلى أساس نصيب الفرد، أرسلت المالديف أكبر عدد من المقاتلين الأجانب لدعم الجماعات الإرهابية في سورية والعراق.

علاوة على ذلك، تشرف المالديف على ممرات شحن حرجة في المحيط الهندي، مما يجعلها بالغة الأهمية لضمان الأمن في المنطقة، ونتيجة لهذا، تستحوذ الأوضاع السياسية المتدهورة هناك بشكل متزايد على اهتمام المجتمع الدولي. وتدعو القوى الديمقراطية، من الولايات المتحدة إلى الهند، الأمم المتحدة إلى التدخل في الأزمة، في حين تدافع الصين عن يمين الملوث بالكسب غير المشروع في سعيها إلى تعزيز مصالحها الخاصة في المحيط الهندي.

تمثل العلاقة الوثيقة بين الصين والمالديف تحولا كبيرا عن الماضي، عندما كانت الهند الشريك الإقليمي الرئيسي للبلاد. ينحدر سكان المالديف في الأساس من أصول هندية وسريلانكية، وتربطها علاقات ثقافية واقتصادية قوية مع الهند وسريلانكا، وكانت المالديف تُعَد تقليديا جزءا من مجال نفوذ الهند.

ولكن في السنوات الأخيرة تآكل نفوذ الهند في المالديف بفِعل الجهود التي تبذلها الصين لبناء "سلسلة اللؤلؤ": سلسلة من المنشآت العسكرية والمشروعات الاقتصادية التي تهدف إلى استعراض قوة الصين في المحيط الهندي، وكما نجحت الصين مؤخرا في الفوز بميناء هامبانتوتا السريلانكي بموجب عقد إيجار مدته 99 عاما، فقد استحوذت في صمت، وفقا لنشيد، على 17 جزيرة في المالديف المثقلة بالديون، لأغراض الاستثمار.

لكن في تحركات تنم عن أهدافها الاستراتيجية، أرسلت الصين أيضا عددا من السفن الحربية لزيارة المالديف، وإذا نجحت الصين، التي كثفت ضغوطها العسكرية على الهند على طول حدودها في منطقة الهيمالايا، في تحويل إحدى جزر المالديف إلى قاعدة بحرية، فإنها ستفتح فعليا جبهة بحرية ضد الهند، وهي علامة بارزة في تطويق الصين الاستراتيجي لجارتها.

وبالتالي فإن أزمة المالديف تمثل لحظة فارقة بالنسبة إلى الهند، فهل تتدخل الهند عسكريا، كما طلب نشيد وغيره من زعماء المعارضة في المالديف، أو هل تسمح ليمين بالاستمرار في تمكين الصين من ملاحقة أهدافها الاستراتيجية في المنطقة؟

هناك سابقة للتدخل العسكري الهندي في المالديف، ففي عام 1988 وأدت الهند محاولة انقلابية ضد الحاكم المستبد مأمون عبدالقيوم والتي دبرها رجل أعمال مالديفي بمساعدة مرتزقة مسلحين، وخصوصا من الانفصاليين التاميل من سريلانكا، وبفضل التحرك العسكري السريع الذي قامت به الهند، تمكن عبدالقيوم من البقاء في السلطة عقدين آخرين من الزمن.

ولكن عندما طلب أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد من الهند التدخل لإنقاذه من القوى الإسلامية التي حاصرت مكتبه في عام 2012، أشاحت الهند بنظرها في الاتجاه الآخر، فقد شعرت حكومة الهند بأن نشيد خانها بإقامة علاقة متزايدة القوة مع الصين، والواقع أن نشيد لم يكتف بمنح الصين أول عقودها في مجال البنية الأساسية؛ فقبل ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة به، افتتح السفارة الصينية الجديدة في العاصمة ماليه، في اليوم نفسه لوصول رئيس وزراء الهند آنذاك مانموهان سينغ، لحضور قمة إقليمية.

اليوم قد يكون التدخل الهندي محفوفا بالمخاطر، خصوصا أنه لا توجد سلطة شرعية تدعو الهند إلى إرسال قواتها، وربما يتمكن مظليون هنود من فرض سيطرتهم على ماليه فعليا في غضون ساعات قليلة، ولكن كيف قد تكون النهاية؟ في ظل النفوذ الإسلامي المتزايد والولاءات السياسية المتحولة بين حفنة من الأسر القوية التي تهمين على اقتصاد المالديف وسياسته، فإن إيجاد حلفاء يمكن التعويل على التزامهم بحماية الحريات الديمقراطية، ناهيك عن قدرتهم على حمايتها، سيثبت أنه تحدٍّ بالغ الصعوبة.

وحتى لو أطيح بالرئيس يمين وعقدت البلاد انتخابات ديمقراطية، فمن غير المرجح أن يتم احتواء نفوذ الصين، وكما توضح تجارب بنغلاديش، وميانمار، ونيبال، وسريلانكا، فقد تفوقت الصين على الهند دبلوماسيا، حتى في التعامل مع حكومات منتخبة ديمقراطيا. والواقع أنها فعلت ذلك حتى في المالديف ذاتها، مع نشيد، ولأن ديون البلاد ستستمر في الارتفاع، بصرف النظر عن هوية قادتها، فستحتفظ الصين بمصدرها المفضل لفرض نفوذها.

قد يبدو الأمر وكأن الهند، التي تتمتع بقرب جغرافي وروابط تاريخية مع المالديف، تتمتع بنفوذ قوي هناك، ولكن الهند قد تخسر الكثير إذا ما زادت من حدة موقف سياسي مشتعل بالفعل في ساحتها الخلفية البحرية بالتدخل عسكريا.

يتمثل أفضل خيار أمام الهند في إظهار قدر معقول من التهديد باستخدام القوة العسكرية، في حين تفرض بالتعاون مع قوى ديمقراطية أخرى عقوبات اقتصادية كفيلة بتقويض الدعم الذي يحصل عليه يمين من النخب في المالديف، والتي يملك كثيرون من المنتمين إليها المنتجعات الفاخرة التي أصبح القسم الأعظم من غرفها شاغرا. ومع وجودهم في صف المجتمع الدولي، ربما يتمكن من ضمان نزاهة وشمولية الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في وقت لاحق من هذا العام، والإشراف عليها من قِبَل الأمم المتحدة. هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، واستعادة السلام إلى فردوس المحيط الهندي.

* براهما تشيلاني

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب، منها "الطاغوت الآسيوي".

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

المالديف أرسلت أكبر عدد من المقاتلين الأجانب لدعم الجماعات الإرهابية في سورية والعراق
back to top