6/6 : جديد المملكة

نشر في 16-02-2018
آخر تحديث 16-02-2018 | 00:15
 يوسف الجاسم لا تخطئ عين من يزور مملكة الخير العربية السعودية هذه الأيام، مظاهر التجديد الفكري والسلوكي التي تكتسي بها شبه القارة العتيدة هذه التي حاصرتها، عبر مئات السنين، هيمناتٌ متوالية حاولت الابتعاد بها عن روح العصر!

حضرت هذا العام في الرياض جزءاً من فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في نسخته الثانية والثلاثين، لأجد ثابتاً لم ولن يتغير في هذا المهرجان الثقافي العتيد، وهو حسن التنظيم ودقته وكرم الضيافة وكريم الاستقبال والتوديع، ووجدت متغيراً تمثل باتساع دوائر اشتغال الكوادر الوطنية السعودية، في جميع جوانب إدارة المهرجان وأروقته، ولعل اللافت للانتباه هو الشعور بنسائم التغيير المتمثّلة بالوجود المكثف للمرأة السعودية الشابة، وهي تجيبك من بدالة الفندق ومختلف أقسامه، وتحييك قائلة "معك فلانة... كيف ممكن أخدمك؟"، والأمر نفسه في مراكز المهرجان وقاعات الندوات ومواقع التغطيات الإعلامية، حيث تشارك المرأة السعودية بوجودها وعملها والإدلاء برأيها في قاعات الندوات، لتثبت صوتها في مجتمع كان لا يستمع إلا لصوت الرجال، لأن بعض الفتاوى كانت تصف صوتها بـ"العورة"! إلا أنها اليوم، وعلى سبيل المثال، تناقش وتعقب بحماس، في جلسة محاربة التطرّف والإرهاب بوجود إمام الحرم المكي الشريف د. صالح بن حميد والمفكر الإسلامي د. رضوان السيد ورئيس جامعة القاهرة وأستاذ علوم المذاهب الإسلامية د. محمد الخشت، والإعلامي اللامع د. عايد المناع، وثلة من كبار علماء المسلمين، كما أن النساء كن مدعوات وحاضرات في لقاء الملك مع ضيوف "الجنادرية" في قصر اليمامة.

المرأة السعودية وجدناها تعمل "كاشير" في السوق المركزي، وتضع أغراضك في الأكياس، وتتمنى لك يوماً سعيداً.

الخلاصة أننا شعرنا في المملكة الجديدة بمدى السلاسة، باستيعاب وتمكين المجتمع السعودي للمرأة عملاً لا قولاً فقط، باعتبارها قيمة مضافة للجهد الوطني في التنمية الإنسانية أولاً قبل المادية.

في الناحية الأخرى لجنادرية السعودية وعهدها الجديد المتوهّج، دار نقاش مفتوح ومباشر حول ضرورات تجديد الفكر والخطاب الديني، والتصدي لغسل أدمغة الشباب وتسويرهم بالأحزمة الناسفة لقتل وترويع الأبرياء، وضرورة تقليص سطوة المؤسسات الدينية على مناهج التعليم وحقن عقول الناشئة برسائل الكراهية ضد الآخر والاصطدام مع الأمم والشعوب الأخرى تحت لافتات إسلامية مشوّهة للتعاليم السمحاء لديننا الحنيف.

الحوار حول تلك القضايا في الرياض لم يختلف عن أي حوار مفتوح تجريه أي مؤسسة بحثية في دولة من دول الغرب.

هناك الكثير مما يمكن أن يقال حول استشعار لمحات العهد الجديد في المملكة، ولكن كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مرحباً بضيوف مهرجان الجنادرية كانت هي الفيصل، بالقول: "مهرجان الجنادرية يعبر عن الرغبة المشتركة في تعزيز التفاعل بين الثقافات العالمية المختلفة، لتحقيق التعايش والتسامح بين الشعوب على أسس إنسانية مشتركة".

ونحن نغادر أرض الرياض، قرأنا خلاصة ما توصلت إليه المملكة العربية السعودية في أولى حروبها الجادة على الفساد، والمتمثلة باسترداد الخزينة العامة (٧٥٠ مليار دولار) من المتهمين بالفساد، سيسدد نصفها عجز الموازنة العامة، ويسهم الباقي بالمشاريع الإسكانية والبرامج التنموية.

حقاً، إنها المملكة الجديدة التي نأمل لها دوام البهاء.

***

همسة:

شكراً للكويت مبادرتها الحضارية باحتضان مؤتمر إعمار العراق، ولكننا نتساءل: تحت أي إدارة سترقد أموال الإعمار، في ضوء فساد هناك ما تشيله الديناصورات؟!

back to top