الكويت صغيرة بمساحتها كبيرة بعطائها ومكانتها

نشر في 13-02-2018
آخر تحديث 13-02-2018 | 00:09
 يوسف عبدالله العنيزي أثناء فترة عملي سفيراً للكويت لدى جمهورية فنزويلا الصديقة في الفترة بين 1996 و2000 تلقيت دعوة كريمة من وكالة الفضاء الأوروبية "ASE" وذلك لحضور حفل إطلاق القمر العربي "عرب سات" الذي سيتم في قاعدة كوروا البحرية في جمهورية غوايانا الفرنسية، وهي مستعمرة تتمتع بحكم ذاتي، وقد رافقني في تلك الرحلة الأخ العزيز ريمون قبشة أستاذ القانون في جامعة كراكاس والمستشار السياسي لرئيس جمهورية فنزويلا الصديقة السابق هوغو تشافيز.

كان خط الرحلة طويلا يبدأ من كراكاس مرورا بجزيرة مارغريتا الفنزويلية، ثم ترينداد، ومنها إلى مدينة "مارا ييبو" عاصمة جمهورية سورينام، حيث قضينا يومين تميزا بالنشاط والكرم السورينامي، ويبلغ عدد سكان سورينام نحو نصف مليون، وتصل نسبة المسلمين فيها إلى ما يقارب الـ20 في المئة.

ويتميز المجتمع بقدر عال من التسامح العرقي والديني والمذهبي، ففي الساحة الرئيسة توجد كاتدرائية القديس بطرس، وعلى بعد مسافة قليلة يوجد كنيس نيفين شالوم اليهودي، وبين المبنيين يوجد مسجد يتميز بالضخامة، في اليوم المحدد لمغادرة سورينام للتوجه إلى مدينة "كايين" عاصمة غوايانا الفرنسية فوجئنا بإلغاء الرحلة نتيجة للإضرابات والمظاهرات العنيفة، وعليه فقد قررنا السفر بواسطة العبارة النهرية.

ركبنا تلك العبارة المتهالكة وبدأت بالتحرك وهي تحمل أوزار عقود من السنين، وبدأ صاحبي يشرح لي هنا غرقت السفينة الإيطالية، وهنا جرت المعركة النهرية بين السفن الحربية لفرنسا والبرتغال، وهنا اصطدمت الباخرتان الأميركية والروسية، ويمكن أن ترى آثار تلك الحوادث على ضفتي النهر، حتى بدا وكأنه لوحة مأساوية مرسومة بحطام بقايا السفن.

عبرنا النهر بسلام ثم استأجرنا سيارة أجرة لنقلنا للفندق، ونظرا لأعمال الشغب فقد اعتذر السائق عن عدم تمكنه من دخول العاصمة، وعليه فقد اقترح صاحبي أن ننزل ضيوفا عند أحد أقربائه الذي يقيم خارج العاصمة، كان المنزل في قمة الروعة، ويقع على هضبة تحيط بها حدائق غناء مليئة بأنواع من الطيور ذات "التغريدات الشجية"، وكل تلك الأراضي تقع ضمن أملاك هذه العائلة العربية الأصيلة التى هاجر رعيلها الأول من مدينة "زغرتا" في لبنان الشقيق واستقر في هذه الديار بجسده قريبا منه بقلبه ومشاعره.

كان السيد فرنسوا وعائلته قمة في الكرم ودماثة الخلق، فلم نشعر بالغربة أثناء إقامتنا معهم على مدى بضعة أيام، في مساء اليوم التالي لوصولنا أرسل لنا الأخ العزيز جورج قبشة وهو من أقارب الصديق العزيز ريمون، ويشغل منصب مسؤول العلاقات العامة في قاعدة كوروا سيارة خاصة لتقلنا للقاعدة، وكم شعرت بالاعتزاز نظرا لما لقيته من حفاوة واستقبال من قبل قائد القاعدة، حيث كانت دولة الكويت هي الدولة العربية الوحيدة الممثلة في هذا التجمع العلمي الرائع وبحضور رئيس وزراء ماليزيا، حيث سيتم إطلاق القمر "ماليزيا سات" مع القمر العربي "عرب سات".

وقد حضر الحفل أيضا عدد كبير من الوزراء وممثلي الدول والجامعات والمراكز العلمية، وأعداد من طلبة وطالبات بعض الجامعات العالمية، وقد أمسك كل منهم بالقلم والدفتر لتدوين مشاهداتهم في هذه القاعدة الرائعة، في غياب تام لأي وجود عربي، فكم هو مؤلم أن نرى رجالنا وشبابنا وقد استبدلنا القلم بالرشاش والكتاب بالقنابل وأطلقنا صواريخ الدمار والقتل بدل صواريخ العلم والمعرفة.

جلسنا في الصالة الضخمة وعلى جانبيها نصبت شاشات تلفزيونية ببث مباشر وتقنية ثلاثية الأبعاد، وأمامنا زجاج يسمح لنا برؤية الساحة، حيث تم نصب الصاروخ "أريان" الذي سيحمل القمرين العربي والماليزي.

انطلق الصاروخ محدثا صوتا رهيبا ومخترقا الغيوم التي تحولت إلى كتل من اللهب وأخذ مساره في الفضاء الخارجي وعند نقطة معينة بين قارتي أوروبا وإفريقيا انفصل القمر "عرب سات" وبعدها بلحظات انفصل القمر "ماليزبا سات".

لقد كانت لحظات لن تتكرر في حياتي، ما أعظم هذا الإنسان! وما أعظم العقل البشري عندما يستخدم العلم لخدمة البشرية! وقبل ذلك وبعده ما أعظم الخالق جلّت قدرته، حيث قال سبحانه "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً".

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top